التي هي حروف العرب ، المبني منها كلامه ، أوردها في أوائلها ، تسكينا للعرب بما لزمهم من الحجّة وظهر منهم من المعجز.
كأنّهم خوطبوا فقيل لهم : يا أيها الكافرون بما أنزل على محمّد هذا الذي زعمتم أنّ محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ... (١) الله كلام بني من حروفكم وكتابكم وبلغتكم المتداولة بينكم لا (٢) ... ومعانيه وطرقه وبيانه معاني كلامكم وطرائقكم ومذاهبكم ، قد دعيتم إلى الاتيان بمثله ومثل أقل سورة منه فعجزتم ، فلو كان كما تزعمون لكنتم قادرين على مثله». وأطنب في هذا الكلام وأسهب وذهب كل مذهب.
وهذا الوجه غير سديد ولا مرضي ؛ لأنّ القوم كانوا يعرفون أنّ القرآن مبني من حروف المعجم ومركّب منها ضرورة عند سماعه وإدراكه ، ولا يحتاجون إلى أن يقدّم لهم في أوائل السور حروف تدلّ على أنّ الكلام الذي أنزله مبني منها.
فإن كان المراد بتقديم هذه الحروف الدلالة على أنّ القرآن مركّب منها ، فذلك مستغنى عنه بما ذكرناه ، وإن كان للتبكيت والتقريع من حيث عجزوا عن الاتيان بمثله وهو مركّب منه ، فهذا التقريع أيضا ليتمّ مع القاء هذه الحروف ؛ لأنّ المعلوم الذي لا اشكال فيه أنّ القرآن من هذه الحروف مركّب ، وأنّهم إذا عجزوا عن معارضته ومقابلته ، فقد عجزوا عن تجانس كلامهم.
وليس ينبغي أن يعتمد على هذا الجواب الذي ذكرناه مستضعفا له.
وممّا قيل في هذه الحروف أنّها منبئة عن أسماء الله تعالى ، فقالوا : «الم» أنا الله ، وفي «الر» أنا الباري ، وفي «المص» أنا الله الصادق ، وفي «كهيعص» الكاف من كريم والعين من عليم والصاد من صادق والهاء من هادي ، وهذا حكي عن جماعة من المفسّرين.
وهو وجه باطل لا خفاء في بطلانه ؛ لأنّه رمز والغاز لا يدلّ ظاهر الكلام
__________________
(١) كذا ، والظاهر : افترى على.
(٢) كذا والظاهر : لا من غيره.