عليه ، ولو أنّ أحدنا نطق بحرف من هذه الحروف وأراد الاشارة به إلى ... الحروف (١) ، لعذر أمر ملغز ولكان مذموما.
وبعد فليس المناسب للحروف (٢) المخصوص إلى كلمة مخصوصة تشتمل عليه وعلى غيره ، بأولى ممّن نسبه إلى غير تلك الكلمة ممّا يشتمل على تلك الحروف ، وهذا يقتضي أن لا يستقرّ لهذه الحروف معنى من المعاني معقول ، والله تعالى يجلّ من أن يتكلّم بما لا معنى له.
وممّا قيل في ذلك أيضا : أنّ هذه الحروف تقطيع لاسم الله تعالى.
وهذا أيضا باطل ؛ لأنّه لا يخرج عن أن يكون خطابا بما لا يعقل ولا يفهم معانيه.
فأمّا المتشابه فعندنا أنّ الله تعالى وإن علم تأويله والعلماء أيضا يعلمون مثل
ذلك ، والأية التي يتعلّق بها في هذا الباب من قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (٣) فنحن نبيّن تأويلها عند البلوغ إليها ونذكر أنّ المراد بخلاف ما ظنوه بإذن الله تعالى (٤).
وممّا قيل في ذلك أيضا : أنّ المشركين كانوا تواصوا بأن لا يصغوا إلى القرآن وأن يلغوا فيه ويعرضوا عنه ، فافتتح كلامه جلّ وعزّ بهذه الحروف المنضمّة ليسمعوها فيصغوا إليها ، مستدعين لها متعجبين من ورودها ، فيرد عليهم بعدها من الكلام ما يحتاجون إلى استماعه وفهم معانيه ، حتى يصير ما قدّمه داعيا إلى الاستماع والاصغاء ، داعيين إلى الفهم والقبول.
وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ الخطاب والكلام ممّا لا يحسن إلّا للفائدة التي لا تفهم إلّا به ، ولا يجوز أن يقوم فيه الأغراض المختلفة مقام الافادة ، فلا يجوز أن يخاطبهم بما لا فائدة فيه ، حتى يحثهم ذلك إلى استماع الكلام المفهوم ؛ لأنّ الكلام ممّا لا يفيد وجها في قبحه.
__________________
(١) كذا. والظاهر : إلى معاني هذه الحروف.
(٢) كذا والظاهر : للحرف.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٧.
(٤) سيأتي تفسيرها نقلا عن الأمالي.