وان شئت أن تقول : إنّ الله تعالى إنّما خاطب العرب بلغتها ولسانها فقال عزّ من قائل : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (١) ، وقال جلّ اسمه : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٢) ، وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (٣) وظاهر هذه الآيات كلّها يقتضي أن اسم الإيمان واقع على ما تعهده العرب وتعرفه اسما له.
فإذا قيل : فقد ثبت بعرف الشرع معاني أسماء لم توضع لها في أصل اللغة.
قلنا : في المرجئة من لا يسلّم ذلك ، ومن سلّمه قال : إنّما علمت ذلك بدليل أخرجته من عموم هذه الآيات ، ولا دليل في الإيمان وما أشبهه ممّا فيه الخلاف.
فإن قيل : هذا يقتضي تسمية كلّ تصديق بأنه إيمان وكلّ مصدّق بأنه مؤمن بلا تقييد ؛ فإنّ اللغة هكذا يقتضي ، وإذا قلتم : إنّ الإيمان إذا أطلق أفاد التصديق بالله تعالى وبما أوجب الاعتراف به ، وامتنعتم من إطلاقه في غير هذا الموضع واستعملتموه فيه مقيّدا فقد خالفتم اللغة ، ولزمكم كلّ ما ألزمتموه مخالفكم من العدول عن ظاهر الآيات الدالّة على أن القرآن عربي ونازل بلغة العرب.
قلنا : عرف الشرع أثر في إطلاق اسم إيمان ومؤمن ، وخصّ هذا العرف هذين الاسمين بتصديق مخصوص ، ولم ينتقل هذان الإسمان عمّا وضعا له في أصل اللغة على ما يذهب إليه مخالفنا ، وإنّما تخصّصا وجرى ذلك مجرى تخصيص العرف لقولنا : «دابّة» وانصرافه إلى بعض ما يدبّ بعد أن كان في أصل الوضع مسمّى به كلّ ما دبّ ، وليس هذا بنقل اللغة وإنّما هو تخصيص.
ولقائل أن يقول : هذا وإن لم يكن نقلا على ما ذكرتم وكان تخصيصا ، فهو خلاف مذهب أهل اللغة ، ومخرج للقرآن من أن يكون عربيا وبلغتهم وعلى طريقتهم ومذاهبهم.
والجواب عن ذلك ـ إذا لم نضايق في أن النقل هو الّذي يخرجه من اللغة
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٢٨.
(٢) سورة الشعراء ، الآية : ١٩٥.
(٣) سورة إبراهيم ، الآية : ٤.