والتخصيص لا يخرجه منها ـ أن يقول : إنّما خصصنا هذه اللفظة في إطلاقها ببعض ضروب التصديق وجعلناها مقيّدة إذا استعملت في غير ذلك الموضع بدليل ـ وهو العرف الشرعي ـ لامتناع كلّ مسلم من أن يطلق في عابد الوثن بأنه مؤمن ، وفي التصديق بالجبت والطاغوت أنه إيمان ، فمن ادّعى أن الإيمان منقول عن التصديق جملة فعليّة الدلالة.
ووجدت بعض من ينصر خلافنا في هذا الموضع يقول : في استعمال اللفظة في غير ما وضعتها العرب ليس بخروج عن اللغة ، ويراعى في إضافة اللفظه إلى اللغة صيغتها دون المقصود بها.
وبطلان هذا القول لا نحيله على أحد ؛ لأنه لو كان من عبّر ببعض ألفاظ العرب عن غير ما وضعوه له وفيما لم يستملوه فيه لا حقيقة ولا مجازا مخاطبا بلغتهم ، لوجب أن يكون هذه حاله وان فعل ذلك في جميع ألفاظهم حتّى يكون متكلّما بلسانهم ، ومخاطبا بلغتهم وان لم يستعمل شيئا من ألفاظهم فيما وضعوه له ، وبطلان ذلك أظهر من أن يخفى.
على أن اللفظة الواحدة الّتي لها صيغة مخصوصة قد يكون لها معنى في لغة العرب ، ومعنى آخر يخالفه في لغة العجم ، فلو كان المراعى في إضافة الخطاب إلى اللغة مجرد الصيغة لوجب أن يكون المستعمل لهذه اللفظة إذا أراد بها أحدم عنييها ما ليس ، بأن يكون متكلّما باللغة العربية أولى من لغة العجميّة ، وهذا يوجب أن يكون متكلّما باللغتين باللفظة الواحدة في الحقيقة الواحدة.
فإن قيل : ليس يعرف أهل اللغة التصديق إلّا باللسان ، ولا يعرفون تصديقا بالقلب ، وإذا جعلتم لفظة «إيمان» و «مؤمن» يرجع التصديق بالقلب فقد خرجتم عن اللغة كما عبتم على مخالفيكم.
قلنا : التصديق بالقلب واللسان جميعا هو مقتضى اللغة والحقيقة فيها ؛ لأنهم يصفون الأخرس بأنه مصدّق وان كان لا يقدر على الكلام ، والساكت وان كان في الحال غير متكلّم ويقولون : فلان يصدق بكذا ولا يصدق بكذا ولا يؤمن بكذا ، ولا يريدون إلّا ما يرجع إلى قلبه دون لسانه.