فإن قيل : فلم جعلتم الاعتبار بما في القلب دون اللسان وإن كانا معا تصديقين؟
قلنا : لأنه لو كان هو ما يجري على اللسان لوجب أن يكون الأخرس والساكت في حال سكوته لا يوصفان بالإيمان والتصديق ، وقد علمنا خلاف ذلك ، ولوجب أن يكون من أظهر التصديق بلسانه وفعل كلّ شيء في الكفر ، وعلمنا اعتقاده للجهل بالله تعالى والتكذيب بما أوجب معرفته غير كافر ، وأن يكون المنافقون الّذين كانوا على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مؤمنين غير كفّار وان كانوا مقرّين بألسنتهم وان جحدوا بقلوبهم ، يبيّن ذلك قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١) فكذبهم مع إظهارهم الشهادة باللسان من حيث لم يكونوا معتقدين بقلوبهم.
فإن قيل : هذا المذهب يقتضي أن يكون السجود للشمس ليس بكفر ؛ لأنه ليس بجحود ولا تكذيب ، وقد اجتمعت الأمّة على تكفير من سجد للشمس ، ووصف فعله بأنه كفر.
قلنا : لا شبهة في وصف من سجد للشمس بأنه كافر ، والإجماع أن سجوده هو الكفر ، وكيف يدعى الإجماع في موضع فيه خلاف جميع المرجئة ، ونحن نقول فيمن ذكرتموه : إنّه كافر ونقطع على أن معه تكذيبا وجحودا في قلبه ، وأنه لا إيمان ولا تصديق في قلبه ؛ لأنه لو لم يكن بهذه الصفة لما اجتمعت الأمّة على تكفيره ، فنجعل السجود دلالة على ثبوت الجحود والتكذيب في قلبه.
ونظير ذلك رجل شهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنه مستحقّ للذمّ والعقاب ، فانا عند معرفتنا بهذه الشهادة نقطع على استحقاقه للذمّ والعقاب ، لا لأن الشهادة منه صلىاللهعليهوآلهوسلم هي الموجبة لاستحقاقه الذمّ ، لكنّها دلالة على ثبوت ما يقتضي استحقاق الذمّ.
فإن تجوّز بأن يقول : السجود للشمس وما أشبهها بأنه كفر ؛ فإنه سمّى
__________________
(١) سورة المنافقون ، الآية : ١.