منها : قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١) ، ومنها قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)) (٢) ، ومنها قوله تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) (٣) ، وهذا يقتضي أن كلّ من يسودّ وجهه لا يكون إلّا كافرا ، ومنها قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٤) ، ومنها قوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٥).
فيقال لهم فيما تعلقوا به :
أوّلا : هذه الشبهة مبنية على عموم لفظه «من» ، ونحن نخالف في ذلك ، وقد بيّنا فيما تقدّم أن لفظة «من» غير عامّة بظاهرها ، وأن العموم فيها أو الخصوص إنّما يعلم بدليل (٦) ، ولا ظاهر لهذه الآية يتعلّق به الخوارج ، ولو سلم لهم مسلم الظاهر ، لجاز تخصيصه بالأدلّة القاطعة.
والجواب عن ثانيها : أن هذه الآية إنّما يستفاد بظاهرها أن النار المتلظية الموصوفة في الآية لا يصلاها إلّا من كذّب وتولّى ، بقي عليهم أن يدلّوا على أنه لا نار لله تعالى سوى هذه الموصوفة ، فلا دليل على ذلك.
فإن قالوا : أراد جنس النار ووصفها بالتلظي الموجود في كلّ نار.
قلنا : هذا من أين لكم ، ما أنكرتم أن تكون الإشارة إلى نار مخصوصة.
على أن الخوارج لا بدّ لهم من ترك هذا الظاهر ؛ لأنه ليس كلّ عاص مكذبا متوليا ، وظاهر الآية أنه لا يصلى هذه النار إلّا من كان بهذه الصفة.
والجواب عن ثالثها : أن وصفه تعالى الوجوه الّتي عليها غبرة بأنها للكفرة الفجرة ، لا يدلّ على أن ليس هناك وجوه أقوام من أهل العقاب ليست بهذه الصفة بل بصفة أخرى ، إمّا بأن لا يكون عليها غبرة بل تسمية أخرى أو بأن يكون عليها غبرة لا يرهقها قترة.
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٤٤.
(٢) سورة عبس ، الآيات : ٣٨ ـ ٤٢.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٠٦.
(٤) سورة التوبة ، الآية : ٤٩.
(٥) سورة سبأ ، الآية : ١٧.
(٦) سيأتي في سورة غافر : ١٨.