هو الجحود والتكذيب بالقلب بما أوجب الله تعالى المعرفة به ، والفاسق الملي غير جاحد للمعارف ، فليس بكافر.
فإذا قيل لنا : فألا استذللتم بفسقه على حصول الجحد في قلبه ، كما استدللتم بالسجود للشمس على أن في قلب الساجد كفرا وجحودا؟
قلنا : إنّما فعلنا ذلك في الساجد للشمس لما قام الدليل على أنه كافر فحكمنا بحصول الكفر في قلبه ، وليس كذلك العاصي الملي ، ولو كان في بعض هذه المعاصي ما يدلّ على كفر فاعله ، وحصول الجحود لوجب أن يدلّنا الله تعالى على ذلك ، ويعلمنا به ، كما أعملناه في سائر ما يدلّ على الكفر.
ويمكن الاستدلال على أن هذه المعاصي ليست بكفر ، بأن الكفر من شأنه أن يمنع التوارث والتناكح والمدافنة ، وإذا طرأ على الإسلام كان ردّة وقتل فاعله ، وكلّ هذه الأحكام منتفية عن عصاة أهل الصلاة.
فأمّا من قال من الزيدية : إن الفاسق الملي كافر نعمة ، فقوله باطل ؛ لأنه غير جاحد لنعم الله تعالى عليه ، وهو بذلك معترف بلسانه وقلبه.
فإن أرادوا أنه كافر النعمة لا بمعنى أنه جحدها لكن وجوب شكرها والمعرفة بحقّها يقتضي تجنب المعاصي ، فهذا خلاف في عبارة ، وكيف تكون المعصية كفر النعمة ، والطاعة ليست على الحقيقة شكر النعمة ؛ لأن الشكر هو ما يكون في القلب من الاعتراف بالنعمة مع التعظيم أو ما يجري على اللسان من ذلك ، والطاعات الواقعة بالجوارح خارجة من كلّ وجه عمّا يسمّى شكرا ، وليس يصف أحد من أهل اللغة ردّ الوديعة وقضاء الدين بأنه شكر ، فكيف يكون تركه كفرا؟
فأمّا ما يحكى عن الحسن البصري من وصفه مرتكب الكبيرة بأنه منافق فممّا لا شبهة فيه ؛ لأن المنافق هو الّذي يظهر خلاف ما في باطنه ، ومن كان مظهر المعصية التي يستحقّ عليها العقاب لا يكون منافقا ؛ لأن اليهود والنصارى لما أظهروا معاصيهم الّتي بها كفروا لم يجز أن يوصفوا بالنفاق.
وقد تعلّق الخوارج في نصرة قولهم بأشياء :