عادة في تحدّي بعضهم عن بعض ، وما كانوا يفزعون عند التحدّي إلّا إلى المعارضة دون غيرها من ضروب الأفعال ، فلو صحّ دخول الشبهة على غيرهم في هذا الباب لم يجز دخولها عليهم للعادة الّتي بيناها.
والجواب عن ثالثها : أن القوم لا يجوز أن يعتقدوا أن الحرب أولى من المعارضة ؛ لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما ادعى الابانة منهم بالغلبة والقهر ، وأنهم لا يتمكنون من قتاله ، وفزعوا إلى الحرب التي هي أبلغ في هذا الباب ، وإنّما تحدّاهم وادّعى البينونة منهم بأن معارضة القرآن الّذي أظهره يتعذّر عليهم ، فلا شبهة في أن المعارضة أولى من الحرب لو وثقوا بالظفر ، فكيف وهم فيه على خطر ولا خطر في معارضته.
ولو بدأوا أمام الحرب لكانوا بين أحد حسنيين : إما أن يتفرّق جمع عدوّهم فيستريحوا منه من أقرب الطرق وأخصرها ، أو أن يقيم قوم عنادا أو خلافا بعد سماع المعارضة على التمسّك بنصرته ، فيستعملوا حينئذ الحرب في موضعها وعند أوانها ، وعقيب الاعذار ، واقام الحجّة ، ولو كانوا جمعوا بين المعارضة والحرب ؛ فإن الحرب لا يمنع من المعارضة الّتي هي كلام مسموع وقول منقول ، لأخذوا الصواب من طرفيه.
على أنهم لما جربوا الحرب مرارا كثيرة ولم يبلغوا بها غرضا ، كان يجب أن يرجعوا إلى المعارضه لزوال الشبهة الصارفة عنها.
على أن الحرب إنّما وقعت بعد الهجرة وبعد مضي ثلاثة عشر سنة ، فما علّة امتناعهم من المعارضة طول المدّة المتقدّمة للحرب؟ وكيف خلوا في تلك الأحوال من المعارضة والحرب معا؟
والجواب عن رابعها : أن التحدّي إذا ثبت أنه إنّما كان بأن يأتوا بما يقارب القرآن ، ويشتبه به بالفصاحة ؛ لأن المماثلة على التحقيق لا تضبط ، وما جرت العادة بأن يتحدّى بعضهم بضعا في أشعارهم وخطبهم إلّا كذلك ، فكيف يخافون من وقوع الاشتباه والالتباس فيما يعارضون به ، وذلك إذا وقع فهو المطلوب المبتغى ؛ لأنهم ما دعوا إلّا إليه.