بالفصاحة لم يجربه العادة بأن الله تعالى يفعلها ، فدلالة القرآن على هذا الوجه مستندة إلى خرق العادة بهذه العلوم. وإذا علمنا بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّ القرآن من فعل ربّه تعالى لا فعله قطعنا على الوجه الأوّل.
وإلى هذا المذهب كان يذهب أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم ومن وافقهما.
وكان أبو القاسم يذهب إلى أن تأليف القرآن ونظمه غير مقدور من العباد ، واستحالة ذلك منهم كاستحالة إحداث الأجسام.
وقال قوم : إنه كان معجزا لاختصاصه بنظم مخالف للمعهود.
وأسند قوم إعجازه إلى ما تضمنه من الإخبار عن الغيوب.
وآخرون ذهبوا إلى أن وجه ذلك زوال التناقض عنه والاختلاف على وجه لم تجر العادة بمثله.
ونحن نبطل هذه المذاهب سوى القول بالصّرفة ، ونوجه كلامنا إلى مذهب القائلين بوجه الإعجاز من جهة الفصاحة ؛ فإن الكلام معهم أوسع ومذهبهم أقوى شبهة.
والّذي يدلّ على ما أخترناه من صرف القوم عن المعارضة وانها لم تقع لهذا الوجه ، لا لأن فصاحة القرآن خرقت العادة : أنه لو كان القرآن خارقا للعادة بفصاحته لوجب أن يكون بينه وبين كلّ كلام يضاف إليه التفاوت الشديد والشاق البعيد كما يكون بين ما هو معتاد وما هو خارق للعادة ، فكان لا يشتبه فصل ما بينه وبين ما يضمّ إليه من أفصح كلام العرب على ما لا يشتبه عليه الفصل بين الكلامين الفصيحين بينهما من التفاوت دون ما بين القرآن وغيره.
وقد علمنا أن أحدنا يفصل بلا رؤية ولا فكرة بين شعر الطبقة الاولى من الشعراء وبين شعر المحدثين ، ولا يحتاج في هذا الفصل إلى الرجوع إلى ذوي الغايات في علم الفصاحة. ومعلوم أنه ليس بين كلام فاضل الشعراء وبين كلام مفضولهم القدر الّذي بين المعتاد والخارق للعادة.
وإذا ثبت ذلك وكنا لا نفرق بين بعض قصار سور المفصّل وبين أفصح شعر العرب وأبرع كلامها ، ولا يظهر لنا تفاوت ما بين الكلامين الظهور الذي قد