وممّا اعتمدوا عليه في دفع سؤال الجنّ : ان هذا الطعن وان قدح في إعجاز القرآن قدح في سائر المعجزات.
والجواب عن ذلك : أن المعجزات على ضربين :
ضرب : يوصف القديم تعالى بالقدرة عليه نحو إحياء الميّت ، وإبراء الاكمه والأبرص ، واختراع الأجسام ، وهذا الوجه لا يمكن الاعتراض فيه بالجنّ والملائكة ؛ لخروجه عن مقدور كلّ محدث.
والضرب الثاني من المعجزات : ما دخل جنسه تحت مقدور البشر ، وهذا الوجه إنّما يدلّ إذا علم أن القدر الواقع منه أو الوجه الّذي وقع عليه لا يتمكّن أحد من المحدثين منه ، وإذا لا يعلم هذا فلا دليل فيه.
فإذا قيل : وما الطريق إلى العلم بأنه ليس في إمكان جميع المحدثين.
قلنا : غير ممتنع أن يخبرنا الله تعالى على لسان رسول يؤيّده بمعجزة ، ويختصّ تعالى بالقدرة عليها ، ويعلمنا أن عادة الجنّ أو الملائكة مساوية لعادتنا ، وإنّما يتعذّر علينا ما يتعذّر عليهم ، فمتى ظهر أمر يخرق عادتنا علمنا أن ذلك معجز ؛ لعلمنا بمشاركة الملائكة والجنّ لنا.
فإذا قيل : ما تنكرون من أن يكون الله تعالى أجرى عادة الجنّ أن يحيي الميّت عند أدنى جسم له صفة مخصوصة إليه ، كما أجرى العادة بحركة الحديد عند تقربه من الحجر المغناطيس ، وإذا جوّزنا ذلك لم يكن في ظهور احياء الميّت على يد مدّعي النبوّة دليل على صدقه ؛ لأنا لا نأمن أن يكون الجني نقل إلينا ذلك الجسم الّذي أجرى الله تعالى عادة الجنّ أن يحيي الموتى عنده ، وهذا طعن في جميع المعجزات.
قلنا : احياء الله تعالى الميّت عند تقريب هذا الجسم بيننا وفي عادتنا خرق منه تعالى لعادتنا بما يجري مجرى تصديق الكذّاب ، وهذا لا يجوز عليه تعالى. وليس إذا أجرى الله تعالى عادة الجنّ بأن يحيي ميّتا عند تقريب جسم إليه من حيث لا نعلم ذلك ولا نعرفه جاز أن يفعله في عادتنا ؛ لأنه إذا فعله في عادتهم فلا وجه للقبح ، وإذا نقض عادتنا فهو صدّق الكذّاب. وليس هذا يجري