فمثال الحذف قوله : «ولكن خامري أمّ عامر» ونظائره ممّا أنشدناه ؛ لأنّ القول غير مستغن بنفسه ؛ بل يقتضى كلاما آخر غير أنّه لمّا كان فيه دلالة على ما حذف حسن استعماله.
ومثال الاختصار الذي ليس بحذف قول الشاعر :
أولاد جفنة حول قبر أبيهم |
|
قبر ابن مارية الكريم المفضل (١) |
أراد أنّهم أعزاء مقيمون بدار مملكتهم ، لا ينتجعون كالأعراب ، فاختصر هذا المبسوط كلّه في قوله : «حول قبر أبيهم».
ومثله قول عدّي بن زيد :
عالم بالذي يريد نقي الصّد |
|
رعفّ على حثاه نحور (٢) |
وفي معنى الاختصار قول أوس بن حجر :
وفتيان صدق لا تخمّ لحامهم |
|
إذا شبّه النّجم الصّوار النّوافرا |
فقوله : «لا تخمّ لحامهم» لفظ مختصر ؛ ولو بسطه لقال : إنّهم لا يدّخرون اللحم ولا يستبقونه فيخمّ ، بل يطعمونه الأضياف والطّرّاق.
ومعنى قوله :
إذا شبّه النّجم الصّوار النّوافرا
يعنى في شدة البرد كلب الشتاء ؛ الثريا تطلع في هذا الزمان عشاء ، كأنها صوار متفرّق.
وهذا أيضا أكثر من أن يحصى ، وإنّما فضّل الكلام الفصيح بعضه على بعض ؛ لقوّة حظّه من إفادة المعاني الكثيرة بالألفاظ المختصرة.
__________________
(١) ديوانه : ٨٠ ؛ وهي مارية بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة.
(٢) اللسان (جثا). وفي حاشية بعض النسخ : «قله «جثاه» : تراب كان يجمع ويجعل عليه حجارة وينحر عليها الأصنام ؛ يريد أنه طائع متدين ؛ ويروي على جباه» ؛ وهي الحياض. والجابية : شيء مثل الحوض يجعل فيها الماء للإبل ؛ وجمعها الجوابي».