قلنا : لم نحتجّ بالآية على وجوب القضاء ، وإنّما بيّنا بالآية وجوب التوجّه على كلّ مصلّ ، فإذا لم يأت بالمأمور به فهو باق في ذمّته فيلزمه فعله.
وليس لأحد أن يقول : هذه الآية إنّما يصحّ أن يحتجّ بها الشافعي ، لأنّه يوجب الإعادة على كلّ حال ، في الوقت وبعد خروج الوقت ، وأنتم تفصلون بين الأمرين ، وظاهر الآية يقتضي ألّا فصل بينهما ، فلا دليل لكم على مذهبكم في الآية.
قلنا : إنّما أمر الله تعالى كلّ مصلّ للظّهر ـ مثلا ـ بالتوجه إلى شطر البيت ما دام في الوقت ، ولم يأمره بالتوجّه بعد خروج الوقت ، لأنّه إنّما أمر بأداء الصلاة لا بقضائها ، والأداء ما كان في الوقت ، والقضاء ما خرج عن الوقت ، فهو إذا تحرّى القبلة وصلّى إلى جهة ، ثمّ تبيّن له الخطأ ، وتيقّن أنّه صلّى إلى غير القبلة وهو في الوقت لم يخرج عنه ، فحكم الأمر باق عليه ، ووجوب الصلاة متوجّها إلى القبلة باق في ذمّته ، وما فعله غير مأمور به ، ولا يسقط عنه الفرض ، فيجب أن يصلّي مادام في الوقت الصلاة المأمور بها ، وهي التي تكون إلى جهة الكعبة ، لأنّه قادر عليها ومتمكّن منها ، وبعد خروج الوقت لا يقدر على فعل المأمور به بعينه ، لأنّه قد فات بخروج الوقت ، والقضاء في الموضع الذي يجب فيه إنّما يعلمه بدليل غير دليل وجوب الأداء ، وهذا الموضع قد بيّناه في مسائل أصول الفقه (١).
وليس لأحد أن يقول : إنّ المصلّي في حال اشتباه القبلة عليه لا يقدر على التوجه إلى القبلة ، فالآية مصروفة إلى من يقدر على ذلك ؛ لأنّ هذا القول تخصيص لعموم الآية بغير دليل ، ولأنّه إذا تبيّن له الخطأ في الوقت فقد زال الاشتباه ، فيجب أن تكون الآية متناولة له ، ويجب أن تفعل الصلاة إلى جهة القبلة.
فإن تعلّقوا بما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «رفع عن أمّتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه» (٢).
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ١١٦ ، ١٢٠.
(٢) عوالي اللآلي ، ١ : ٢٣٢.