[الثاني : قال الناصر رحمهالله :] «ولا يجوز الإفطار في السفر إلّا عند الضرورة».
عندنا : أنّ الإفطار في السفر المباح هو الواجب الذي لا يجوز الإخلال به ، فمن صام في السفر الذي ذكرناه عليه القضاء ... دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتكرر ذكره ، قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وظاهر هذا الكلام يقتضي أن السفر والمرض يجب معهما القضاء ، ولا يجوز معهما الصوم.
فإن قالوا : في الآية ضمير ، وإنّما يريد فمن كان مريضا أو مسافرا فأفطر فعدّة من أيّام أخر.
قلنا : الإضمار خلاف الظاهر ، فمن ادّعاه بلا دليل لم يلتفت إلى قوله ، وإنّما أثبتنا في قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) ضميرا ، وهو ملحق بدليل ، ولا دليل في الموضع الذي اختلفنا فيه (١).
[الثالث :] وممّا انفردت الإمامية به تحديدهم السفر الذي يجب فيه التقصير في الصلاة ببريدين ـ والبريد أربع فراسخ ـ والفرسخ ثلاثة أميال فكان المسافة أربعة وعشرين ميلا ...
والحجة في ذلك إجماع الطائفة ؛ وأيضا فانّ الله تعالى علّق سقوط فرض الصيام على المسافر بكونه مسافرا في قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، ولا خلاف بين الأمّة في أنّ كلّ سفر أسقط فرض الصيام ورخّص في الافطار (فيه) فهو بعينه موجب لقصر الصلاة ، وإذا كان الله تعالى قد علّق ذلك في الأية باسم السفر فلا شبهة في أنّ اسم السفر يتناول المسافة التي حدّدنا السفر بها فيجب أن يكون الحكم تابعا لها ، ولا يلزم على ذلك أدنى ما يقع عليه هذا الاسم من فرسخ أو ميل ؛ لأنّ الظاهر يقتضي ذلك لو تركنا معه الدليل ، لكنّ الدليل والاجماع أسقطا إعتبار ذلك ولم يسقطاه فيما اعتبرناه من المسافة وهو داخل تحت الاسم (٢).
__________________
(١) الناصريات : ٢٥٦.
(٢) الانتصار : ٥٠.