والشافعي يوافق الإمامية ، في أنّ إحرامه بالحج لا ينعقد ، لكنّه يذهب إلى أنّه ينعقد له عمرة (١).
وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري وابن حي : إنّه إذا أحرم بالحجّ قبل أشهر الحجّ إنعقد إحرامه ولزمه (٢) ؛ وقد روى عن أبي حنيفة مع ذلك كراهيته (٣) ، والحجة لنا إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ومعنى ذلك وقت الحج أشهر معلومات ؛ لأنّ الحج نفسه لا يكون أشهرا ، والتوقيت في الشريعة يدلّ على إختصاص الموقت بذلك الوقت وأنّه لا يجزي في غيره.
وأيضا فقد ثبت أنّ من أحرم في أشهر الحج انعقد إحرامه بالحجّ بلا خلاف ، وليس كذلك من أحرم قبل ذلك ، فالواجب إيقاع الإحرام في الزمان الذي يحصل العلم بانعقاده فيه ، فان تعلّق المخالف بقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) (٤) فظاهر ذلك يقتضي أنّ الشهور كلّها متساوية في جواز الاحرام فيها.
والجواب أنّ هذه آية عامة تخصصها بقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) وبحمل لفظة الأهلة على أشهر الحجّ خاصة ، على أنّ أبا حنيفة لا يمكنه التعلّق بهذه الآية ؛ لأنّ الله تعالى قال : (مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) والاحرام عنده ليس من الحجّ ، وبعد فتوقيت العبادة يقتضي جواز فعلها بغير كراهية ، وعند أبي حنيفة وأصحابه أنّه مكروه تقديم الاحرام على أشهر الحج ، وقد أجاب بعض الشافعية عن التعلّق بهذه الآية بأنّ قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) أي لمنافعهم وتجاراتهم ، ثم قال : (وَالْحَجِ) فاقتضى ذلك أن يكون بعضها لهذا وبعضها لهذا ، وهكذا نقول ، ويجري ذلك مجرى قوله : هذا المال لزيد وعمر وأنّ الظاهر يقتضي إشتراكهما فيه ، وهذا ليس بمعتمد ؛ لأنّ الظاهر من قوله تعالى : (لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) يقتضي أن يكون جميع الأهلة على العموم لكلّ واحد
__________________
(١) المغني (لابن قدامة) ، ٣ : ٢٢٤.
(٢) نفس المصدر.
(٣) مجمع الانهر ، ١ : ٢٦٤.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٨٩.