دليلنا ـ بعد الاجماع المتردد ـ قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) والأمر على الوجوب ، ولا يجوز أن يوجب ذكر الله تعالى فيه إلّا وقد أوجب الكون فيه ؛ ولأنّ كل من أوجب الذكر فيه أوجب الوقوف ، فان قالوا : نحمل ذلك على الندب ، قلنا : هو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دلالة.
وأيضا ؛ فانّ من وقف في المشعر ، وأدّى سائر أركان الحج سقط الحج عن ذمّته بلا خلاف ، وليس كذلك إذا لم يقف به ، فان قيل : هذه الآية تدلّ على وجوب الذكر وأنتم لا توجبونه ، وإنّما توجبون الوقوف مثل عرفة ، قلنا : لا يمتنع أن نقول بوجوب الذكر بظاهر هذه الآية.
وبعد فانّ الآية تقتضي وجوب الكون في المكان المخصوص والذكر جميعا وإذا دلّ الدليل على أنّ الذكر مستحب غير واجب أخرجناه من الظاهر وبقي الآخر يتناوله الظاهر ؛ وتقدير الكلام ؛ فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله تعالى فيه.
فإن قيل : الكون في المكان يتبع الذكر في وجوب أو إستحباب ؛ لأنّه إنّما يراد له من أجله ؛ فإذا ثبت أنّ الذكر مستحب ، فكذلك الكون.
قلنا : لا نسلّم أنّ الكون في ذلك المكان تابع للذكر ؛ لأنّ الكون عبادة مفردة عن الذكر ، والذكر عبادة أخرى ، وإحداهما لا تتبع الأخرى ، كما لم يتبع الذكر لله تعالى في عرفات الكون في ذلك المكان والوقوف به ؛ لأنّ الذكر مستحب ، والوقوف بعرفات واجب بلا خلاف ، على أنّ الذكر إن لم يكن واجبا فشكرا لله تعالى على نعمه واجب على كلّ حال ، وقد أمر الله عزوجل بأن نشكره عند المشعر الحرام ، فيجب أن يكون الكون بالمشعر واجبا ، كما أنّ الفعل الذي أمرنا بايقاعه عنده واجب.
فإن قيل : ما أنكرتم من أن يكون المشعر ليس بمحل للشكر ، وإن كان محلا للذكر وإن عطف الشكر على الذكر.