وممّا يشنع به على الإمامية وتنسب إلى التفرد به ـ وقد وافق فيه غيرها ـ : القول بإباحة وطىء النساء في غير فروجهن المعتادة للوطي ، وأكثر الفقهاء يحظرون ذلك (١).
وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف عن مالك أنّه قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنّ وطي المرأة في دبرها حلال ، ثم قرأ : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) الآية (٢).
وقال الطحاوي في كتابه هذا : حكى لنا محمد بن عبد الله بن الحكم أنّه سمع الشافعي يقول : ما صحّ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في تحريمه ولا تحليله شيء ، والقياس أنّه حلال (٣). والحجّة في إباحة ذلك إجماع الطائفة ؛ وأيضا قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ومعنى أنّى شئتم كيف شئتم ، وفي أيّ موضع آثرتم (٤) ولا يجوز حمل لفظة أنّى هاهنا على الوقت ؛ لأنّ لفظة أنّى تختص الأماكن وقلّما تستعمل في الأوقات ، واللفظة المختصة بالوقت أيّان (٥) شئتم ، ولا فرق بين قولهم : ألق زيدا أنّى كان وأين كان في عموم الأماكن ، على أنّا لو سلمنا أنّ الوقت مراد بهذه اللفظة حملناها على الأمرين معا من الأوقات والأماكن.
فأمّا من ادعى أنّ المراد بذلك إباحة وطي المرأة من جهة دبرها في قبلها بخلاف ما تكرهه اليهود من ذلك فهو تخصيص لظاهر القرآن (٦) بغير دليل ، والظاهر متناول لما قالوه ولما قلناه.
فأمّا الطعن على هذه الدلالة بأنّ الحرث لا يكون إلّا بحيث النسل وقد سمّى الله تعالى النساء حرثا ، فيجب أن يكون الوطىء حيث يكون النسل ، فليس
__________________
(١) المجموع ، ١٦ : ٤٢٠.
(٢) نيل الأوطار ، ٦ : ٢٠٣.
(٣) نيل الأوطار ، ٦ : ٢٠١ و ٢٠٢.
(٤) وفي نسخة «وفي أيّ موضع أردتم» ، كذا أيضا في الرسائل ، ١ : ١٣٣.
(٥) وفي نسخة : بالأوقات أيّان شئتم.
(٦) لظاهر الكلام بغير دليل.