الّذي يستحقّ به ، وان كان قد خرج عن استحقاقه بالتوبة أو بثواب الطاعة العظيمة.
والّذي يدلّ على صحّة ما قلناه وفساد ما قالوه أن من أسقط دينه على غيره تفضّلا لا يقال : إنه قد عفا له عنه ، ولو قضاه الدين فترك مطالبته به لم يقل أحدنا : إنه قد عفا عنه ، فعلمنا أن لفظه «العفو» لا تطلق إلّا مع التفضّل ، فلو لم يفعل تعالى العقاب بمن لا يستحقّ العقاب لم يوصف بأنه عفو ، وغفور : وغافر بمنزلة عفو في هذا الحكم.
فإذا قيل : قد قال الله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) (١).
قلنا : قد بيّنا أن التوبة لا توجب إسقاط العقاب ، فإذا غفر مع التوبة فهو متفضّل بإسقاط العقاب.
فأمّا «ساتر» و «ستّار» فمعناهما أنه تعالى لم يفعل في الدنيا أمارة العقاب من لعن واستخفاف وما يجري مجراهما.
ويوصف تعالى بأنه «حليم» من حيث لم يعجل العقوبة.
وعند أبي عليّ أنه يوصف بذلك من حيث فعل ما يضادّ العقوبة من الحياة والصحّة والشهوة. وهذا غلط ؛ لأنه تعالى موصوف بالحلم في حال افناء الخلق واعدامهم وان لم يكن في تلك الحال فاعلا فيه شيئا من صحّة ولا شهوة ولا حياة. وأحدنا يوصف بأنه حليم من حيث لم ينتقم ممّن ظلمه وان لم يعلم أنه فعل في جسمه شيئا يضاد الانتقام.
وليس يجب أن لا يوصف في الآخرة بأنه حليم إذا استوفى العقوبة ؛ لأنه تعالى ليس يخرج باستيفاء العقاب في الآخرة من أن يكون ما عجّله وقدّمه في الدنيا ، ففائدة وصفه تعالى بأنه حليم لا تتغيّر.
ولا يوصف تعالى بأنه «صبور» ؛ لأن فائدة هذه اللفظة يقتضي احتمال المكاره والآلام ، وذلك مستحيل فيه تعالى (٢).
__________________
(١) سورة طه ، الآية : ٨٢.
(٢) الذخيرة : ٦٠٣.