فأمّا أبو يوسف ومحمد فانّهما ذهبا إلى أنّ أقل ما يمكن أن تنقضي به العدّة تسعة وثلاثون يوما ولحظة واحدة (١) ؛ لأنّه يطلّقها في آخر جزء من الطهر فتحيض عقيبه بثلاثة أيام وهو أقلّ الحيض عندهما ، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عندهما ، ثمّ تحيض ثلاثة أيام ، ثم تطهر خمسة عشر يوما ، ثم تحيض ثلاثة أيام ، ثم تطهر لحظة واحدة.
وأبو حنيفة يذهب إلى أنّ أقلّ ما تنقضي به العدّة ستون يوما ولحظة واحدة (٢) ؛ لأنّه يعتبر أكثر الحيض وأقلّ الطهر ، وأكثر الحيض عنده عشرة أيام فكأنّه يطلّقها في آخر أجزاء الطهر ، ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ، ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ، ثم تحيض عشرة أيام ، ثم تطهر لحظة واحدة.
والحجّة لما ذهبنا إليه ـ بعد إجماع الفرقة المحقّة عليه ـ أنّ الله تعالى أمر المطلّقة بالتربّص ثلاثة أقراء ، والصحيح عندنا أنّ القرء المراد في الآية (٣) هو الطهر دون الحيض.
وصحّ أيضا أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيام وأقل الطهر عشرة أيام ، وقد دلّلنا في باب الحيض في هذا الكتاب على أن أقل الطهر هو عشرة أيام (٤) ، ودلّلنا فيما كنّا أمليناه من مسائل الخلاف المفردة على أنّ أقل الحيض ثلاثة أيام ولم يبق إلّا أن تدلّ على أنّ القرء هو الطهر.
والذي يدلّ على ذلك ـ بعد الاجماع المتكرر ـ أنّ لفظة القرء في وضع اللغة مشتركة بين الحيض والطهر ، وقد نصّ القوم على ذلك في كتبهم ، وممّا يوضح صحّة الاشتراك أنّها مستعملة في الأمرين بغير شكّ ولا دفاع ، وظاهر الاستعمال للفظة بين شيئين يدلّ على أنّها حقيقة في الأمرين إلى أن يقوم دليل يقهر على أنّها مجاز في أحدهما ، وإذا ثبت أنّها حقيقة في الأمرين فلو خلّينا
__________________
(١) المحلّى ، ١٠ : ٢٧٣.
(٢) نفس المصدر.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٨.
(٤) راجع الانتصار : ٣٣.