وقولهم : إنّ الحيض حادث والطهر ليس بحادث وإنّما هو إرتفاع الحيض ، والحيض أشبه بالوقت من الطهر ليس بشيء ؛ لأنّ الوقت يليق بكلّ متجدّد من حدوث أمر وارتفاع أمر ، ألا ترى أنّ الحمى توقّت بوقت وهي حادثة ، وإرتفاعها وزوالها يوقّتان بوقت من حيث كانا متجددين؟
فإن قيل : ظاهر القرآن يقتضي وجوب استيفاء المعتدّة لثلاثة اقراء كوامل ، وعلى قولكم الذي شرحتموه لا تستوفي ثلاثة اقراء وإنّما يمضي عليها قرءان وبعض الثالث ، ومن ذهب إلى أنّ القرء الحيض يذهب إلى أنّها تستوفي ثلاث حيض كوامل.
فالجواب : أنّ كلّ من ذهب إلى أنّ القرء هو الطهر يذهب إلى أنّه تعتدّ بالطهر الذي وقع فيه الطلاق ، ولا أحد من الأمّة يجمع بين القول بأنّ القرء هو الطهر وأنّه لا بدّ من ثلاثة أقراء كوامل ، فلمّا سلّمنا أنّ ظاهر الآية يقتضي إكمال الاقراء الثلاثة لجاز الرجوع عن هذا الظاهر بهذه الدلالة.
وممّا يجاب به أيضا ، أنّ القرء في اللغة إسم لما اعتيد إقباله وما اعتيد إدباره ؛ لأنّهم يقولون : اقرأ النجم إذا طلع ، واقرأ إذا غاب ، والاقراء المذكور في الآية هو إسم لادبار الأطهار ، فعلى ما ذكرناه يحصل للمعتدّة إدبار ثلاثة أطهار فتستوفي على ذلك أقراء ثلاثة.
وممّا قيل أيضا : أنّ القرء إذا كان من أسماء الزمان عبّر باسم الثلاثة منه عن الاثنين وبعض الثالث كما قال تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (١) ، وأشهر الحج شهران وبعض الثالث ، وكذلك يقول لثلاث بقين وإن كان قد بقي يومان وبعض الثالث ، وكذلك يقول لثلاث بقين وإن كان قد بقي يومان وبعض الثالث ، ويمكن أن يقال في ذلك : إنّه مجاز ، وحمل الآية على الحقيقة أولى ، فالجواب الأول الذي اعتمدناه أولى.
فإن استدلّوا على أنّ القرء هو الحيض ، بأنّ الصغيرة والآيسة من المحيض
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٩٧.