روى عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من تعلّم القرآن ثمّ نسيه لقى الله وهو أجذم».
قال أبو عبيد القاسم بن سلّام مفسّرا لهذا الحديث في كتابه غريب الحديث : الأجذم : المقطوع اليد ، واستشهد بقول المتلمّس (١) :
وما كنت إلّا مثل قاطع كفّه |
|
بكفّ له أخرى فأصبح أجذما |
وقد خطّأ عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبا عبيد في تأويله هذا الخبر وقال : الأجذم وإن كان المقطوع اليد ؛ فإنّ هذا المعنى لا يليق بهذا الموضع. قال : لأنّ العقوبات من الله تعالى لا تكون إلّا وفقا للذّنوب وبحسبها ، واليد لا مدخل لها في نسيان القرآن ، فكيف يعاقب فيها! واستشهد بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) (٢) ، وزعم أن تأويل الآية أنّ الرّبا إذا أكلوه ثقل في بطونهم ، وربا في أجوافهم ، فجعل قيامهم مثل قيام من يتخبّطه الشيطان تعثّرا وتخبّلا. واستشهد أيضا بما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «رأيت ليلة أسري بي قوما تقرض شفاههم ، وكلّما قرضت وفت ، فقال لي جبريل : هؤلاء خطباء أمتك ، تقرض شفاههم ؛ لأنّهم يقولون ما لا يفعلون». قال : والأجذم في الخبر إنّما هو المجذوم ؛ وإنّما جاز أن يسمّى المجذوم أجذم ؛ لأنّ الجذام يقطع أعضاءه ويشذّ بها ؛ والجذم هو القطع.
[أقول :] وقد أخطأ الرجلان جميعا ، وذهبا عن الصواب ذهابا بعيدا ، وإن كان غلط ابن قتيبة أفحش وأقبح ؛ لأنّه علّل غلطه ، فأخرجه إلى أغاليط كثيرة ؛ ونحن نبيّن معنى الخبر ثمّ نتكلّم على ما أورداه.
__________________
(١) هو جرير بن عبد المسيح الضبعي ، والبيت من قصيدة له أولها :
يعيّرني امّي رجال ولا أرى |
|
أخا كرم إلّا بأن يتكرّما |
وهي في (ديوانه ١٦٩ ، والأصميات ٦٤ ـ ٦٥ ، ومختارات ابن الشجري ٢٨ ـ ٢٩) ؛ وخبر القصيدة في (الخزانة ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٦).
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٧٥.