وممّا يمكن أن يكون على ذلك شاهدا قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (١) ، أي تتركون أنفسكم.
ويمكن في الآية وجه آخر : على أن يحمل النسيان على السّهو وفقد المعلوم ؛ ويكون وجه الدعاء بذلك ما قد بيّناه فيما تقدّم من الأمالي ؛ من أنّه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى ، وإظهار الفقر إلى مسألته والاستعانة به ؛ وإن كان مأمونا منه المؤاخذة بمثله ؛ ويجرى مجرى قوله تعالى في تعليمنا وتأديبنا ؛ (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) (٢) ، ومجرى قوله تعالى : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) (٣) ؛ وقوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) (٤) ؛ وقوله تعالى حاكيا عن الملائكة : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (٥).
وهذا الوجه يمكن أيضا في قوله تعالى : (أَوْ أَخْطَأْنا) إذا كان الخطأ ما وقع سهوا أو عن غير عمد.
فأمّا على ما يطابق الوجه الأوّل فقد يجوز أن يريد تعالى بالخطأ ما يفعل من المعاصي بالتأويل السّيىء وعن جهل بأنّها معاص ، لأنّ من قصد شيئا على اعتقاد أنّه بصفة ، فوقع ما هو بخلاف معتقده يقال : قد أخطأ ، فكأنّه أمرهم بأن يستغفروا ممّا تركوه متعمدين من غير سهو ولا تأويل ، وممّا أقدموا عليه مخطئين متأوّلين.
ويمكن أيضا أن يريد ب «أخطأنا» هاهنا أذنبنا أو فعلنا قبيحا ؛ وإن كانوا له متعمّدين وبه عالمين ، لأنّ جميع معاصينا لله تعالى قد توصف بأنّها خطأ من حيث فارقت الصواب ؛ وإن كان فاعلها متعمّدا ؛ فكأنّه تعالى أمرهم بأن يستغفروا ممّا تركوه من الواجبات ؛ وممّا فعلوه من المقبّحات ، ليشتمل الكلام على جهتي الذنوب ؛ والله أعلم بمراده (٦).
[أنظر أيضا إبراهيم : ٤١ من الرسائل ، ٣ : ٨٥].
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٤٤.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.
(٣) سورة الأنبياء ، الآية : ١١٢.
(٤) سورة الشعراء ، الآية : ٨٧.
(٥) سورة غافر ، الآية : ٧.
(٦) أمالي ، ٢ : ١١٤.