ومن الخصائص المهمّة للعقل ما يلي :
١ ـ «لا يدخله الاحتمال والحقيقة والمجاز» (١) وقد أدّت هذه الخصيصة إلى أن يقدّم حكم العقل عند التعارض مع الآيات الّتي يفهم منها مفهوما متشابها. يقول السيّد المرتضى في هذه الشأن :
«إعلم أنّ الأدلّة العقليّة إذا كانت دالّة على أنّ الأنبياء عليهمالسلام لا يجوز أن يواقعوا شيئا من الذنوب صغيرا وكبيرا ، فالواجب القطع على ذلك ، ولا يرجع عنه بظواهر الكتاب» (٢).
٢ ـ أن يكون بالإمكان تخصيص عموم الكتاب به : «اعلم أنّ تخصيص العموم بكلّ دليل أوجب العلم من عقل وكتاب وسنّة مقطوع عليها وإجماع لا شبهة فيه ولا خلاف من محقّق في مثله ؛ لأنّ الدليل القاطع إذا دلّ على ضدّ حكم العام لم يجز تناقض الأدلّة ، فلا بدّ من سلامة الدليلين ، ولا يسلمان إلّا بتخصيص ظاهر العموم» (٣).
٣ ـ أن يكون بالإمكان نسخ الحكم به وإن لم يطلق عليه النسخ : «وأمّا
__________________
ـ العاقل على كيفيّة الاستدلال وأنه لا بد في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيديّة على خلاف ذلك وزعموا أن العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقيف إلّا أن البغداديين من المعتزلة خاصّة يوجبون الرسالة في أوّل التكليف ويخالفون الإمامية في علّتهم لذلك ويثبتون عللا يصححها الإماميّة ويضيفونها إلى علّتهم فيما وصفناه».
أوائل المقالات : ٤٤ و ٤٥.
لكن ومن خلال التدقيق في العبارة المذكورة يتّضح أنّ مراد الشيخ المفيد من استمداد العقل من الوحي ، كان في بداية العالم ونشوء الخلق وكان البشر بحاجة إلى أن يذكر بكلّيات أحكام العقل ، ولعلّ هذا معنى كلام أمير المؤمنين عليهالسلام : «فبعث فيهم رسله وواثر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته ويحتجّوا عليهم بالتّبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول» نهج البلاغة الخطبة ١ ، لكن وبعد تذكّر تلك الكلّيّات صار العقل قادرا على الفهم ، وقد ذكرنا سلفا أنّ حجّيّة قول الرسول هي بحكم العقل أيضا ، لكن هذا وبطبيعة الحال لا يعني استقلال العقل ؛ لأنّ العقل لدرك الجزئيّات وبعض الكلّيّات بحاجة إلى الوحي وإرشاد الرسل.
(١) الذريعة ، ١ : ٢٢٧.
(٢) الرسائل ١ : ١٢١.
(٣) الذريعة ، ١ : ٢٢٧.