فهذا النصّ لا يوجب اختصاص التواتر والصحّة بالسبعة أو العشرة دون غيرهما. ومعنى قوله : «وافقت العربية ...» أي موافقة القراءات للقواعد النحوية المستقاة من النطق العربي الفصيح ، ولا يرى بعض اللغويين ضرورة لهذا الشرط لأنه أمر متحقّق لا محالة حين يتحقّق شرط الرواية أو صحّة السند (١).
أما الإمامية فقد قالوا بعدم تواتر القراءات ، وتمسّكوا بالقول الّذي يروي عن الإمام الصادق عليهالسلام : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد» (٢) ، وأشار الشيخ الطوسي رحمهالله إلى هذا المعنى بقوله : «اعلموا أن العرف من مذهب أصحابنا والشائع من أخبارهم ورواياتهم أن القرآن ، نزل بحرف واحد على نبيّ واحد. غير أنهم اجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القرّاء ، وأن الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء قرأ» (٣).
ولذا فلا حجّة عندهم للقراءات في الاستدلال على الحكم الشرعي ولكنّهم لم يغفلوا العناية بها وتوجيهها والاحتجاج بها في ترجيح المعاني القرآنية. وتبدو عناية المرتضى بالقراءات القرآنية واضحة في بحثه التفسيري ، فهو يحتجّ بها في بيانه لدلالة النصّ القرآني ، ويرجح قراءة على أخرى ، ويشير إلى اختلاف القراءات ومن قرأ بها وعلاقتها باللغة والنحو ، ذاكرا ما يترتّب على اختلاف القراءة على المعنى. ويمكن لنا بيان ذلك من خلال الآتي :
وقف المرتضى عند قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (٤) ، ونراه يتسائل : كيف يجوز أن يخاطب الجماعة بالقتل والقاتل واحد؟ وفي الجواب يذكر المرتضى أن اسلوب إخراج الخطاب مخرج ما يتوجّه إلى الجميع مع أن القاتل واحد فعلى عادة العرب في خطاب الأبناء بخطاب الآباء والأجداد ، «فيقول أحدهم : فعلت بنو تميم كذا ، وقتل بنو فلان فلانا ،
__________________
(١) ينظر البحث اللغوي عند العرب : ٢٣.
(٢) أصول الكافي ، كتاب فصل القرآن ، باب النوادر ، الرواية : ١٢ ، وينظر البيان في تفسير القرآن ، آية الله العظمى السيّد أبو القاسم الخوئي : ١٩٣.
(٣) التبيان في تفسير القرآن ، ١ : ٧.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٧٢.