وفي الآية الرابعة ليس هناك ذكر للأبواب ، بل تركّز الحديث عن الطبقة السفلى من جهنّم ، وهو ما يظهر تعدد طبقات جهنّم ، إذ تقول الآية : (انَّ المُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْاسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً).
يطلق في اللغة العربية على الخطوات الصاعدة نحو الاعلى اسم «الدرجة» وعلى النازلة إلى الأسفل اسم «الدركة».
وهذه الكلمة مأخوذة من المصدر «الدرك» وهو بمعنى بلوغ الشيء ونيله ، ولهذا يطلق على الحبال التي توصل مع بعضها لتصل إلى قعر البئر اسم «الدَرَك» وتسّمى أعمق نقاط البحر أو الاماكن الأخرى باسم «الدَرْك» على وزن (فلك) ، وعلى هذا الأساس وصف «الدرك» في الآية الشريفة بـ «الأسفل» من باب التأكيد والقيد التوضيحي.
وعلى أيّة حال فهذه هي الآية الوحيدة الحاوية على إشارة لطبقات جهنّم ، ويمكن أن نطابق معها الآيات السابقة التي تحدثت عن أبواب جهنّم ، والنتيجة هي نفس ما أفادت به الآيات السابقة وهي أنّ أبواب جهنّم ليست في ازاء بعضها الآخر بل هي فوق بعضها طوليّاً ، إحداها فوق الاخرى.
يقول الفخر الرازي في تفسيره بعد أن يُعطي معنى «الدرك» بأنّه أعمق نقطة في قعر الشيء : «فالدرك مايلحق به من الطبقة ، وظاهره أنّ جهنّم طبقات ، والظاهر أن أشدّها أسفلها» (١).
وممّا يسترعي الانتباه في هذه الآية أنّها حددت أسفل قعر جهنّم كمكان أسوأ للمنافقين ما يدل على أنّ «النفاق» هو أسوأ الذنوب ويستوجب الدرك الأسفل من جهنّم ، وسبب ذلك جلي فالخطر الذي يهدد المجتمع الإسلامي من جَرّاء وجود النفاق يفوق بمرّات عديدة الخطر القادم من الأعداء والكفّار الذين يبدون كفرهم وعداءهم علناً.
وجاء في حديث شريف حول العلماء الفاسدين : «إنّ من العلماء من يحّب أن يخزن
__________________
(١). تفسير الكبير ، ج ١١ ، ص ٨٧.