الآيتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة : أشارتا مرّة اخرى إلى الصيحتين (صيحة الموت وصيحة الحياة).
تقول الآية الاولى : (مَا يَنظُرُ هؤُلَآءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّالَهَا مِنْ فَوَاقٍ) وهناك عدّة أقوال في تفسير هذه الآية ، فقيل إنّها تشير إلى عذاب الاستئصال (وهو العذاب الدنيوي الذي يستأصل جذور الكافرين والظالمين مثل عذاب قوم نوح ولوط وغيرهما).
وقيل : إنّ الآية أشارت إلى نفخة الصور والمعنى الأول يتفق مع سياق الآيات السابقة للآية التي تتحدث عن مجازاة قوم نوح وعاد وثمود وأمثالهم ، ولكن مع أخذ ذلك بنظر الاعتبار فإنّ هذه الآية جاءت تهديداً لكفّار مكة مع أنّ هؤلاء مستثنون من عذاب الاستئصال بحكم قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنْتَ فِيهِمْ). (الانفال / ٣٣)
وعلى هذا الأساس لا يمكن تفسير العذاب في الآية بعذاب الاستئصال فيكون الرأي الثاني هو الأنسب.
وبناء على ذلك فهل أنّ الآية أشارت إلى نفخة الصور الاولى أم الثانية؟ هناك اختلاف بين المفسرين ولكن وبلا شك أنّ لحن الآية يتوافق مع النفخة الاولى ، ذلك لأنّ ذيل الآية يقول : (مَالَهَا مِنْ فَوَاقٍ) وهذا التعبير يقال عادة لنفخة الموت ولقد استشهد بحديث نقل عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله حول هذه الآية لبيان النفخة الاولى (١).
«فواق» : حسب قول الكثير من المفسرين وأهل اللغة ، هو مابين حلبتي الناقة وأصله من الرجوع يقال ، آفاق من مرضه أي رجع إلى الصحة.
وعلى أيّة حال فإنّ صيحة فناء العالم لا تعطي فرصة لأحد ، وينتهي كل شيء في وقت قصير ويصبح هشيماً تذروه الرياح ويقوم سد محكم يحول بين الإنسان وماضيه.
ولقد أشارت الآية اللاحقة إلى صيحة يوم القيامة : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُروْجِ).
ويعتقد المفسرون بأنّ هذه «الصيحة» هي نفس صيحة القيامة حيث إنّ ذيل الآية دليل
__________________
(١). تفسير القرطبي ، ج ٨ ، ص ٥٦٠١ ؛ تفسير الكبير ، ج ٢ ، ص ١٨٣.