واضح على ذلك ، والمراد من (الحق) كما يقول المرحوم الطبرسي في مجمع البيان والفخر الرازي في التفسير الكبير والآلوسي في روح المعاني ، هو نفس البعث والنشور.
ولكن ظاهر الآية أنّ المراد بالحق الوارد في الآية الكريمة هو نفس معناه الأصلي ، وبتعبير (الميزان) يعني القضاء الحتمي ، والنشور هو مصداقه ، أمّا تعبير (يوم الخروج) فالمقصود منه يوم خروج الناس من قبورهم.
وهنا يطرح هذا السؤال : ومن الذي يسمع هذه الصيحة؟ هل تسمعها الأرواح قبل ورودها الأجساد؟ أم أنّ الأبدان تحيى وترجع إليها الأرواح عند الصيحة؟ وبهذا يستمر الناس في سماعهم للصيحة ، ومثل ذلك كمثل ساعة الجرس التي تدق قرب شخص نائم فتوقظه ، وهناك أقوال اخرى ، والمعنى الثاني هو الأنسب لسياق الآية.
في الآية الخامسة عشرة نجد تعبيراً جديداً وهو (نقر) قال تعالى : (فَإِذَا نُقِرَ في النَّاقُورِ* فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ* عَلَى الْكَافِرِينَ غَيرُ يَسِيرٍ) و (نقر) كما يقول أرباب اللغة ، في الأصل يعني طرق شيء ، والمنقار هي وسيلة الطرق ، ومن هنا يكون الطرق ملازماً للصوت وتأتي هذه الكلمة أحياناً بمعنى إيجاد الصوت أو سببه وهو هنا النفخ في الصور ، ولذا نجد أنّ مجموعة من المفسرين فسروا الآية بشكل مباشر بالنفخ في الصور ، فالنقر بمعنى النفخ والناقور بمعنى الصور (١).
وهناك احتمال آخر وهو أنّ تعبير (النقر) جاء لأنّ الصوت الذي ينبعث من البوق من العظمة والشدّة وكأنّه ينقر الاذن نقراً ويغوص إلى المخ.
على أيّة حال ، فإنّ هذا التعبير هو إشارة إلى النفخة الثانية بشهادة الآيات التي بعد هذه الآية والتي تخبر عن الوضع العسير الذي يعيشه الكافرون في ذلك اليوم ، ويقول الفخر الرازي : «إذا كان المقصود هو النفخة الاولى (كما يحتمل المفسرون) فسوف لا يكون ذلك اليوم عسيراً على الكافرين لأنّهم يموتون في تلك الساعة ، إنّما اليوم الشديد على الكافرين عند صيحة الإحياء ولذلك يقولون : ياليتها كانت القاضية» (٢).
__________________
(١) راجع تفاسير مجمع البيان ؛ وروح البيان ؛ والكبير في ذيل الآية مورد البحث.
(٢) راجع تفاسير مجمع البيان ؛ روح المعاني ؛ روح البيان ؛ الفخر الكبير.