وفي الآية السادسة عشرة نلاحظ تعبيراً جديداً هو الصاخة ، قال تعالى : (فَاذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ* يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ اخِيهِ).
«الصاخة» : مشتقة من مادة (صخ) ويقول الراغب هو الصوت الشديد الذي ينبعث من أصحاب النطق.
وقال صاحب مقاييس اللغة ، هي الصيحة التي تصم الآذان ، وفسّرها البعض : بمعنى طرق رأس الإنسان بالحجر (١) ، وقيل : الاستماع والانصات ، الصاخة هي التي تصخ الآذان حتى تكاد تصمّها (٢) وتسمى بالصاكة لشدّة صوتها.
وفي كل الأحوال فهذا التعبير إشارة إلى (نفخ الصور) النفخة الثانية ، تلك الصيحة العظيمة التي هي صيحة الصحوة والحياة ، حيث يساق الجميع إلى عرصات المحشر ، وكل واحد مشغول بنفسه إلى الحد الذي يفرّ من أخيه وأبيه وامه وأصدقائه.
ونواجه في الآية السابعة عشرة تعبيراً آخر حول مسألة نفخ الصور ، يقول تعالى : (الْقَارِعَةُ* مَا الْقَارِعَةُ* وَما ادْراكَ مَا الْقَارِعَةُ* يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ* وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ* فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ* فَهُوَ في عِيشَةٍ رَّاضيَةٍ).
«القارعة» : من مادة (قَرْع) على وزن (فَرْع) وفي الأصل بمعنى الطرق الشديد الذي ينبعث منه صوت عال ، ومنها (المقرعة).
فما المقصود من القارعة في هذه الآيات :
قال بعض المفسرين : إنّ هذا التعبير هو أحد أسماء القيامة وذلك لأنّ الحوادث التي تقع فيها حوادث شديدة وتقرع القلوب لشدّتها وهولها ولقد صرّح البعض من المفسرين بأنّ هذا التعبير يطلق على مجموعة حوادث القيامة التي تبدأ من نفخة الصور الاولى وتنتهي بخاتمة المحكمة الإلهيّة (٣).
__________________
(١) راجع تفاسير روح المعاني ؛ روح البيان ؛ الكبير.
(٢) راجع تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٠ ؛ التفسير الكبير ، ج ٣١ ، ص ٤٣ ؛ تفسير روح المعاني ، ج ٣ ، ص ٤٨ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٧٠١٥.
(٣) تفسير روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٩٩ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ٢٢٠.