(وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) [سورة الإسراء ، الآية : ٥٥].
قوله تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ).
الذرّية من الألفاظ الكثيرة الاستعمال في القرآن الكريم ، وأصلها من الذر بمعنى النشر والانتشار ، واستعملت في مطلق الأولاد والنسل لانتشارهم من مصدر واحد ، ويطلق على الواحد والكثير ، وقد يأتي الذراري في الجمع ، وتقدّم في قوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٤] ، بعض الكلام.
والجملة عطف بيان ، ونصب «ذرّية» على الحال.
ومعنى (بعضها من بعض) ، أن هذه الذرّية مضافا إلى أنها متداخلة متشعّبة بعضها من بعض ، فكلّ بعض يفرض فهو مبتدئ لبعض آخر ومنتهى بعض آخر ، هي متشابهة الأطراف في الصفات والخيرات والحالات.
والآية الشريفة تدلّ على أن هذه الذرّية متّفقة في الصفات التي اقتضت اصطفاءها على العالمين ، فلم يكن جزافا ولا عبثا ، فالجملة في موضع التعليل لتعميم الاصطفاء ، أي : لأنهم متّفقون في الصفات ومتشابهو الأفراد اصطفاهم الله تعالى.
قوله تعالى : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
أي : والله سميع لأقول الذين اصطفاهم ، وسميع لدعاء الداعين ورجاء الراجين ، مستجيب لهم ، عليم بمواقع اللطف وضمائر الناس وما في قلوبهم.
والجملة في موضع التعليل لجهة الاصطفاء ، أي : أنه تعالى سميع يسمع الأقوال ويستجيب الدعاء ، ويعلم ما في القلوب والضمائر ، فهو أعلم حيث يجعل رسالته ويصطفي من عباده.
ويمكن أن يكون ذكر (عليم) للإشارة إلى أن الاصطفاء من القضايا العقليّة التي يكون دليلها معها ، أي : حيث إنهم كانوا واجدين لشرائط الاصطفاء وفاقدين لموانعه ، اصطفاهم الله تعالى ، ولا يعلم وجدان الشرائط وفقدان الموانع إلا العليم