الثالث : إنما عبّر سبحانه بالتنزيل ، للإشارة إلى كثرة العناية والاهتمام بوجود القرآن العظيم ، فإنه كنسخة واحدة لشرح نظامي التكوين والتشريع ، فقد تجلّى الله تعالى فيه وأنزله بالحقّ ومن الحقّ ، وفي الحقّ ، وإلى الحقّ.
أما أنه بالحقّ ، فهو من لوازم كونه من الحقّ المطلق ، إذ لا يعقل نزول شيء منه إلا بالحقّ.
وأما أنه في الحقّ ، لأنه نزّل الكتاب لتكميل الإنسان كمالا معنويا وظاهريا ، حتى يصير بذلك خلّاقا لما يشاء وفعالا لما يريد من المعنويات.
وأما أنه نزل إلى الحقّ ، لأنه نزل من الحي القيوم إلى قلب سيد المرسلين ، والغاية منه هو النعيم الأزلي الذي يبقى ولا يفنى.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) على أن اعتبار الكتب الإلهية السابقة إنما يكون بإمضاء القرآن العظيم ، فهو الأصل في مدرك الاعتبار ، ويكون هو المعتمد في الموافقة والمخالفة ، وفي الكلام من براعة الأسلوب وروعة البيان ما لا يخفى.
الخامس : إنما قدّم سبحانه تنزيل الكتاب على نبيّه في الذكر على إنزال التوراة والإنجيل ، لأن القرآن العظيم هو الأصل في الكتب السماويّة ، وأن تأخّر انزاله في سير الزمان لمصالح كثيرة ، منها حصول استعداد النفوس لذلك ، وإلا فهو الأول والأصل ، فمعارفه شموس طالعة ، وأحكامه أقمار منيرة ، وآدابه نجوم مضيئة ، تستشرق الأرواح من شوارقه وتستنير النفوس من بوارقه ، تحيا الأرواح حياة أبدية وتتنعم الأشباح بنعمة سرمدية ، توصلها إلى قاب قوسين أو أدنى والاقتراب من العلي الأعلى.
ألم بنا وصف أجلّ من الوصف |
|
أدق من المعنى وأخفى من اللطف |
تمازجه الأرواح وهي لطيفة |
|
إذا هو روح الروح والروح كالظرف |
نعمنا به رغدا من العيش برهة |
|
وراس رتبته المعقول في عالم الكشف |
السادس : الفرقان يصحّ أن يكون وصفا بحال ذات القرآن ، فإنه الفارق بين