البيان ، وقتلهم الأنبياء والأولياء والصلحاء والداعين إلى الحقّ والعدل ، ولو بحسب القصد والنية ، وليس لهم شأن إلّا ذلك ، وعلى هذا لا نحتاج إلى تخصيص الجملات الثلاث بالآباء فقط ، بل كلّ من فيه منشئيّة الصراع مع الحقّ يكون داخلا في معنى الآية المباركة ، وهذا ما نعلمه من تاريخ أعداء الإسلام ودين الحقّ ، فإنهم قتلوا الأنبياء ودعاة الحقّ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وقد جرت العادة على أخذ الخلف بما فعل السلف ، وقد تقدّم في سورة البقرة ما يرتبط بالمقام ، فراجع.
قوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ).
تعميم بعد التخصيص ، لأن الأنبياء أيضا يأمرون بالقسط ، لبيان أن هؤلاء لا شأن لهم إلّا الدعوة إلى الحقّ وإقامة العدل اللذين تدعو إليهما الفطرة ، وفيه تشنيع فعلهم وتهييج الفطرة الإنسانيّة واستفزاز الضمير عليهم ، لأنهم فعلوا ما لا يرتضيه الضمير ولا العاقل البصير.
قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
مادة (بشّر) في حاق الواقع بمعنى الإخبار بما يظهر أثره في بشرة الوجه ، كما يشاهد فيمن أخبر بموجب السرور ، فإنه يظهر أثر الفرح في ظاهر الوجه. وفي الإخبار بالشرّ يظهر الهم والغم في ظاهره أيضا. فيصحّ استعمال هذه المادة بحسب واقعها في كلّ من الأخبار بموجب السرور والغم ، من دون مجاز واستعارة.
نعم ، إذا أطلقت اختصّت بما يوجب السرور.
ولو قيل : باختصاص البشارة بالإخبار بموجب السرور ، فيصحّ استعمال البشارة في الغم والحزن أيضا من باب الوصف بحال المتعلّق ، لأن الإخبار يوجب سرور المؤمنين بلا إشكال ، ولم يقم دليل على أنه لا بد أن تكون جميع جهات الإخبار منحصرة في الوصف بحال ذات المخبر عنه فقط ، بل الكلام الفصيح ما كان متكفّلا لجهات شتى ونواح مختلفة من الدلالة والإفادة ، فيكون كالبحر الذي فيضه عميم وأمواجه لا تستقيم ، ويتضمّن الكلام الاستعارة التي تشتمل على الحسن والبلاغة ، كما لا يخفى.