الطبيعيّة ، ولكن أنبياء الله تعالى وأولياءه يعترفون بأنه لا بد أن يكون في الممكنات امور خارقة للعادة ولنظام الطبيعة التي تكشف عن القدرة القهّارة ، فسأل ربه من تلك القدرة ، فوقع السؤال موقع الإجابة بحسب تلك القدرة الجبّارة لتسخير نواميس الطبيعة.
مع أننا ذكرنا في أحد مباحثنا السابقة أن المعجزة لا تخرج عن نواميس الطبيعة وإن خفيت الأسباب عن الحواس الظاهرة.
وممّا زاد في همّته قول مريم عليهاالسلام له : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). والطمع في الدعاء وطلب النعمة إذا شوهدت من الله تعالى على شخص يكون على أقسام ثلاثة :
الأوّل : أن يطلب النعمة لنفسه مع حبّ سلبها عن غيره.
الثاني : أن يطلب مثلها لنفسه أيضا ، فإن مواهب الله تفيض وخزائنه لا تغيض ، ويسمّى بالغبطة.
الثالث : أن يستسر بحصول النعمة له.
والأوّل حسد مذموم ، والأخيران لا بأس بهما ، بل هما ممدوحان. وسؤال زكريا من أحد الأخيرين.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً).
بيان لكيفية الدعاء. والهبة بمعنى العطية ، وهي التمليك بلا عوض ، والذرّية هي النسل ، تأتي واحدة وجمعا ، ذكرا وأنثى ، وإنما أنّثت (طيبة) لتأنيث لفظ الذرّية.
والطيب ما يستطاب فعله وخلقه بالذات ، أو بما يلائم صاحبه بما قرّره العقل والشرع ، ويقابله الخبيث ، ويقال : عيش طيب ، أي ما تسكن النفس إليه ويكون ملائما لها ، كما يقال : ماء طيب ، أي : عذب ، قال تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [سورة الأعراف ، الآية : ٥٨] ، أي ما يكون البلد موافقا لنفس أهل البلد من جميع الجهات.
والذرّية الطيبة هي التي تسكن إليها النفس ويستطاب أفعالها وصفاتها ،