هو كالمرآة لجميع التكاليف الإلهيّة وجزاء لها ولا يضرّ الفصل الطويل ، وقيل وجوه اخرى سيأتي في البحث الأدبي نقلها.
و (ما) في قوله تعالى : (ما عَمِلَتْ) موصولة تشمل جميع الأعمال ، والعائد محذوف مقدّر.
و (من) في قوله تعالى : (مِنْ خَيْرٍ) بيانيّة ، والتنكير في «خير» للتعميم والشمول للجميع ، أي كلّ خير وهو يشمل جميع أنواع الخير من الاعتقاد ، أو الأقوال ، أو الأفعال ، حركة أو سكونا ، حتى الأعدام ، مثل كفّ الأذى وإماطتها عن الطريق ، وتحمّل الأذى ونحو ذلك ، نظير قوله تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) [سورة البقرة ، الآية : ١١٠] ، وأمثالها من الآيات الشريفة.
وكلّ نفس تشمل جميع الخلائق والعباد ، سواء كانوا من المؤمنين أم غيرهم ، إذا صدر منهم الخير ولم يصدر منهم ما يمحقه ويحبطه ، فهو محفوظ عند الله ، كما يدلّ قوله تعالى : (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سورة سبأ ، الآية : ٢١].
وإنما عبّر سبحانه وتعالى بقوله : (مُحْضَراً) دون حاضرا ونحوه ، لبيان أن جميع الأعمال موجودة عنده محفوظة لديه ، ولكنه يعدّها الله تعالى ويحضّرها لخلقه المحسنين تكريما وتبجيلا لهم ، فهو تعالى يعلمها ويحفظها ويحضرها لئلا يكونوا في تسويف وبعد منال.
قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً).
الجملة معطوفة على قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ) ، أي وتجد كل نفس من العباد ما عملت من سوء وما يترتب عليه من الجزاء ، فتتمنّى النفس من شدّة الأهوال وما يتبعها من الآلام والأحزان لو أن بينها وبين هذا السوء بعدا كبيرا.
والأمد هو الغاية ينتهي ما ينتهي إليها ، وجمعه آماد ، ولم يذكر هذا اللفظ في القرآن الكريم إلّا في مواضع ـ أربعة ، قال تعالى : (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) [سورة الحديد ، الآية : ١٦] ، وقال عزّ شأنه : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما