يسع لأحد إنكارها أو تخصيصها بوقت دون آخر ، فإن التقية بشرائطها المقرّرة في الفقه جارية إلى يوم ظهور الحقّ ، كما عليه القرآن والسنّة الشريفة.
وتقاة في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) مصدر ، وهي مفعول مطلق لتتقوا ، وأصلها وقية على فعلة على وزن تهمة ، قلبت الواو تاء والياء ألفا. والتاء تفيد الوحدة ، وهي تحدد الاتقاء ، أي تتقوا منهم تقاة محدودة بأن تظهروا المودّة الصورية ما تدفعوا بها شرورهم حتّى تتحقّق المندوحة في ذلك ، لما فيها من المصلحة لكم ولدينكم.
ومن جميع ذلك يظهر أن الاستثناء منقطع إن كان المستثنى منه المودّة الحقيقيّة ، وأما إذا كان المراد منه مطلق الموادّة ولو كان صوريا ظاهريا مع المخالفة في الحقيقة والاعتقاد ، فحينئذ يصير الاستثناء متصلا وبه يمكن الجمع بين القولين.
وما عن بعض المفسّرين في توجيه كون الاستثناء منقطعا ، من أن إظهار آثار التولّي ظاهرا من غير عقد القلب على الحبّ والولاية ليس من التولّي بمعنى الحبّ ، لأن الخوف من الغير والحبّ له أمران قلبيان متباينان لا يمكن اجتماعهما ، فيكون الاستثناء منقطعا.
مخدوش : لصحة اجتماعهما في مورد واحد باعتبارين وجهتين ، فيتولّى الغير ظاهرا للتحرز عن ظلمه وكيده ، ويحبّ الله واقعا مع عقد القلب عليه.
قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ).
التحذير من الحذر وهو الاحتراز عن أمر مخوف والابتعاد عنه ، وقد استعملت هذه المادة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة بالنسبة إلى الدنيا والآخرة ، قال تعالى تحذيرا عن المنافقين وفتنتهم : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ) [سورة المنافقون ، الآية : ٤] ، وقال تعالى تحذيرا عن مخالفة أوامره وأحكامه التي تعتبر من ملاحم القرآن الكريم : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [سورة النور ، الآية : ٦٣].
والمراد بالنفس هي الذات ، وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في