ويصحّ أن يراد من القيوم مقوّم وجود كلّ موجود حدوثا وبقاء.
كما يصحّ أن يراد به مقوّم حياة كلّ ذي حياة ، حيوانية كانت أو نباتية.
ويصحّ أن يراد به قيوم كمال كلّ ذي كمال.
والحقّ هو الأخير وسائر المعاني منطوية فيه ، ولذا عقّبه سبحانه وتعالى بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٧) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) ، لأن ذلك من شؤون حياته وقيوميّته المطلقة.
والحيّ والقيوم من أعظم الأسماء الحسنى.
والأول من أسماء الذات ، بل الثاني أيضا إن رجع إلى الحكمة التامّة التدبيرية والقدرة الجامعة التامّة ، كما يصحّ أن يكون برزخا بين اسم الذات واسم الفعل باختلاف الجهة.
وإنما ذكرهما سبحانه هنا وفي آية الكرسي [٢٥٥ من سورة البقرة] ، لأنهما دون لفظ (الله) وفوق باقي أسمائه المباركة إلا الاسم الأعظم ، بناء على كونه من مقولة اللفظ كما يظهر من بعض الروايات ، ويصحّ أن يكونا من بعض أجزائه التي من علم خصوصيات التركيب يؤثّر الأثر المطلوب.
ويمكن أن يستدلّ بهذه الآية الشريفة على وحدة المعبود ، بأن يقال إنه لا بد أن يكون حيّا قيوما ، والحيّ القيوم منحصر في واحد عقلا ونقلا ، فالمعبود منحصر بواحد كذلك.
وافتتاح هذه السورة بهذه الجملة المباركة الجامعة لجميع صفات الجلال والجمال يدلّ على كمال الاعتناء بها ، وحقّ لها أن تكون سورة الاصطفاء.
وفيها التعليل لما ورد في الآية التالية ، أي الله الذي هو واحد في ألوهيته وذو الحياة الكاملة ، والقائم على تدبير خلقه بأحسن نظام وأتم حكمة ، لقادر على أن ينزل الكتاب الفارق بين الحقّ والباطل ، ولا يخفى عليه أمر مخلوقاته ، فمن آمن بما أنزل على رسله فقد فاز ، ومن كفر فقد خاب وسيجزيه الله ، أنه عزيز ذو انتقام.
قوله تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ).
المراد بالكتاب القرآن الكريم ، والباء في (بالحق) إما في موضع الحال ، أو