فلما قدم عليه أكرمه وأنزله ، ودفع إليه الكتاب فقرأه ، فلما قرأه قال له سليط : يا هوذة ، إنّك سوّدتك أعظم حائلة وأرواح في النار! وإنّما السيّد من متّع بالإيمان ثم زوّد بالتقوى ، وإنّ قوما سعدوا برأيك ، فلا يشقون به! وإنّي آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شرّ منهيّ عنه! آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان ؛ فإنّ في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار : فإن قبلت نلت ما رجوت وأمنت مما خفت ، وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهول المطّلع!
هوذة : يا سليط ، سوّدني من لو سوّدك تشرّفت به ، وقد كان لي رأي أختبر به الامور ففقدته ، فاجعل لي فسحة يرجع إليّ فيها رأيي فاجيبك إن شاء الله.
وكان عند هوذة رجل رومي من عظماء نصارى دمشق فقال له هوذة : جاءني كتاب من محمد يدعوني إلى الإسلام فلم اجبه. فقال الرومي : لم لا تجيبه؟ قال : ضننت بديني ، وأنا أملك قومي ولئن اتّبعته لا أملك! فقال الرومي : بلى والله ، لئن اتّبعته ليملكنّك ، وإنّ الخير لك في اتّباعه ، فانّه للنبيّ العربيّ الذي بشّر به عيسى بن مريم عليهالسلام ، وانه لمكتوب عندنا في الانجيل : محمد رسول الله.
ثم كتب هوذة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله : «ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله ، وأنا شاعر قومي وخطيبهم ، والعرب تهاب مكاني ، فاجعل لي بعض الأمر أتّبعك»! ثم أجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر ، وأرسل وفدا فيهم مجاعة بن مرارة ، والرحّال بن عنفوة ومعهم غلام اسمه كركرة هدية له صلىاللهعليهوآله (١).
فلما قدم الرسول عليه صلىاللهعليهوآله وأخبره بما جرى وقرأ الكتاب على النبيّ ، قال : لا ، ولا كرامة لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت ، باد وباد ما في يديه. ثم قال : اللهم اكفنيه (٢).
__________________
(١) ذكره الطبرسي في أعلام الورى ١ : ٢٨٧.
(٢) فلما انصرف من فتح مكة أخبره جبرئيل بموت هوذة ، كما في الطبقات الكبرى ١ : ٢٦٢.