مكة ببدر ، وسدنة الكعبة) فذكرت له ما صار الأمر إليه وقلت له نحوا مما قلت لصاحبيه. فقال : لقد غدوت اليوم إليّ وأنا اريد أن اغدوا إليه ، وهذه راحلتي مناخة بفخ (١) فتواعدنا أن نخرج سحرا فنلتقي في يأجج.
فخرجنا سحرا ، والتقينا في يأجج ولم يطلع الفجر ، وغدونا صباحا حتى انتهينا إلى الهدّة فوجدنا فيها عمرو بن العاص ، فقال لنا : مرحبا بالقوم! فقلنا : وبك! فقال : أين مسيركم؟ فقلنا : وأنت ما أخرجك؟ قال : فما الذي أخرجكم؟ قلنا : الدخول في الإسلام واتّباع محمد! قال : وذلك هو الذي أقدمني! (٢).
بينما روى عن عمرو بن العاص خبره لما كان بالحبشة حتى قال : ركبت معهم حتى انتهوا إلى الشعيبة (على شاطئ البحر) وكانت معي نفقة فابتعت بعيرا وخرجت من الشعيبة اريد المدينة ، حتى مررت بمرّ الظّهران ، فمضيت حتى بلغت الهدّة ، فإذا أنا برجلين قد سبقاني إليها بغير كثير ، أحدهما قائم ممسك بالراحلتين والآخر ينصب خيمة فهو داخل فيها ، فنظرت وإذا (القائم) خالد بن الوليد ، فقلت :
أبا سليمان؟ قال : نعم. قلت : أين تريد؟ قال : محمدا ، لقد دخل الناس في الإسلام فلم يبق أحد به طمع (في شيء) والله لو أقمنا (على شركنا) لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضّبع في مغارتها! فقلت : وأنا ـ والله ـ قد أردت محمدا وأردت الإسلام!
وخرج الآخر (من الخيمة) فإذا هو عثمان بن طلحة فرحّب بي ، فترافقنا حتى نزلنا ببئر أبي عنبة فلقينا رجلا فما أنساه كان يصيح : يا رباح! يا رباح! فتفاءلنا بقوله ، ثم نظر إلينا فسمعته يقول : قد أعطت مكة المقادة بعد هذين (يعنيني وخالدا) ثم ولّى سريعا إلى المدينة فكان أن بشّر بقدومنا رسول الله.
__________________
(١) من الوديان القريبة من مكة ، وفيها قتل الحسين بن علي الحسني قتيل فخّ في ثورته على أوائل العباسيّين ، وفيها قبره.
(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٤٧ ، ٧٤٨.