له : يا ابن أبي طالب ، إذا كان لا بدّ من ذلك فأعرض بوجهك عنّي. فأعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من شعرها.
فأخذه أمير المؤمنين عليهالسلام وصار به إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله. فأمر أن ينادى بالصلاة جامعة. فنودي في الناس ، فاجتمعوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم. فأخذ رسول الله الكتاب بيده وصعد إلى المنبر فقال : أيها الناس ، إني كنت سألت الله عزوجل أن يخفي أخبارنا عن قريش ، وإن رجلا منكم كتب إلى أهل مكة (١) يخبرهم بخبرنا! فليقم صاحب الكتاب وإلّا فضحه الوحي! فلم يقم أحد. فأعاد رسول الله مقالته ثانية قال : ليقم صاحب الكتاب وإلّا فضحه الوحي! فقام حاطب بن أبي بلتعة وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف فقال : يا رسول الله ، أنا صاحب الكتاب ، وما أحدثت نفاقا بعد إسلامي ولا شكّا بعد يقيني! فقال له النبيّ : فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب؟ فقال : يا رسول الله ، إنّ لي بمكة أهلا وليس لي بها عشيرة ، فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفّا لهم عن أهلي ويدا لي عندهم ، ولم أفعل ذلك لشكّ في الدين. فقال عمر بن الخطّاب : يا رسول الله مرني بقتله فانه قد نافق! فقال النبي صلىاللهعليهوآله : إنّه من أهل بدر ، ولعلّ الله اطّلع عليهم فغفر لهم.
ثم قال : أخرجوه من المسجد! فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه وهو يتلفّت إلى النبيّ ليرقّ له ، فأمر صلىاللهعليهوآله بردّه وقال له : قد عفوت عنك وعن جرمك ، فاستغفر ربّك ولا تعد لمثل ما جنيت (٢).
__________________
(١) كذا في هذا الخبر ، وهو يتضمن نقض الغرض من كتمان الخبر على أهل مكة ، فكيف يعلن به؟!
(٢) الإرشاد ١ : ٥٧ ـ ٥٩ ومثله في التبيان ٩ : ٥٧٥ ، ٥٧٦. والطبرسي روى الخبر عن ابن عباس ٩ : ٤٠٥. ولفظ المفيد يفيد أن حاطبا قد جنى وأجرم وعليه أن يستغفر ربّه