ثمّ دخلت على حفصة فسألتها : أتراجع إحداكنّ رسول الله وتهجره النهار إلى الليل؟! قالت : نعم! فقلت لها : قد خابت وخسرت من فعلت منكنّ ذلك؟ أتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله فإذا هي قد هلكت! ثمّ قلت لحفصة : لا تراجعي أنت رسول الله ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك ، ولا يغرينّك أن كانت جارتك [مارية] أوسم منك وأحبّ إلى رسول الله.
قال : وكان منزلي بالعوالي ، وكان لي جار من الأنصار كنّا نتناوب النزول إلى رسول الله ، فينزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره ، وأنزل يوما فآتيه بمثل ذلك. وكنّا نتحدّث : أنّ غسّان تنعّل الخيل لتغزونا (ممّا بعث على غزوة تبوك). فجاء يوما (ولعلّه كان بعد العصر) فضرب عليّ الباب فخرجت إليه فقال : حدث أمر عظيم! فقلت : أجاءت غسّان؟ قال : أعظم من ذلك : طلّق رسول الله نساءه! فقلت في نفسي : قد خابت حفصة وخسرت! (فبتّ تلك الليلة حتّى أصبحنا) فلمّا أصبح وصلّينا الصبح شددت ثيابي على نفسي وانطلقت حتّى دخلت على حفصة فإذا هي تبكي! فقلت لها : أطلّقكنّ رسول الله؟ قالت : لا أدري ، هو ذا معتزل في المشربة.
فانطلقت (إلى مشربة أمّ إبراهيم ، وإذا غلام أسود هناك) فقلت له : استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج فقال : قد ذكرتك له فلم يقل شيئا! فانطلقت إلى المسجد ... فجلست إلى نفر حول المسجد ، ثمّ غلبني ما أجد (في نفسي) فانطلقت حتّى أتيت الغلام فقلت له : استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج فقال : قد ذكرتك له فلم يقل شيئا! فولّيت منطلقا ، فإذا الغلام يدعوني ، فرجعت إليه فقال لي : ادخل فقد أذن لك! فدخلت ، فإذا النبيّ متّكئ على حصير ورأيت أثره في جنبه ، فقلت : يا رسول الله ، أطلّقت نساءك؟ قال : لا ... بل كان قد أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا. فعاتبه الله في ذلك ، وجعل له كفّارة اليمين (١).
__________________
(١) القسم عن الاعتزال من النساء هو ما يسمّى في الفقه بالإيلاء ، وسيأتي بلفظه في