ومنهم عمير بن وهب الجمحي ، وأبو خيثمة عبد الله بن خيثمة
__________________
ـ بارّا بالوالدين ، وما عليّ في موتك من غضاضة ، وما بي الى غير الله من حاجة ، وقد شغلني الاهتمام لك من الاهتمام بك ، ولو لا هول المطّلع لأحببت أن أكون مكانك! فليت شعري ما قالوا لك؟ وما قلت لهم؟ ثم رفع يده فقال : اللهم انّك فرضت لك عليه حقوقا ، وفرضت لي عليه حقوقا ، وانّي قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي ، فهب له ما فرضت عليه من حقوقك ، فانّك أولى بالحق وأكرم منّي.
ثم أصابنا الجوع ، فماتت أهله ، وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا ولم نجد شيئا ، وجمع أبي رملا ووضع رأسه عليه ، فرأيت عينه قد انقلبت ، فبكيت وقلت له : يا أبة كيف أصنع بك وأنا وحيدة؟! فقال : يا بنتي لا تخافي ، فانّي إذا متّ جاءك من أهل العراق من يكفيك أمري ؛ فانّه أخبرني حبيبي رسول الله فى غزوة تبوك فقال : «يا أبا ذر ، تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، وتدخل الجنة وحدك ، ويسعد بك أقوام من أهل العراق يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك» فإذا أنا متّ فمدي الكساء على وجهي ثم اقعدي على طريق العراق ، فإذا أقبل ركب فقومي إليهم وقولي : هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد توفّي.
قالت ابنته : فلما عاين الموت سمعته يقول : مرحبا بحبيب أتى على فاقة! لا أفلح من ندم! اللهم خنقني خناقك ، فو حقّك انّك لتعلم انّي احبّ لقاءك!
قالت ابنته : فلما مات مددت الكساء على وجهه ، ثم قعدت على طريق العراق ، فجاء نفر ، فقلت لهم : يا معشر المسلمين! هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد توفي! فنزلوا وجاءوا فغسّلوه وفيهم مالك بن ابراهيم الأشتر النخعي كانت معه حلة قيمتها أربعة آلاف درهم فكفّنه فيها ودفنوه وبكوا عليه.
وكأنّهم باتوا ليلتهم تلك عند قبره ، قالت ابنته : فبينا أنا نائمة عند قبره إذ سمعته في نومي يتهجد بالقرآن كما كان يتهجد به في حياته ، فقلت له : يا ابة ما فعل بك ربّك؟ فقال : يا بنيّة ، قدمت على ربّ كريم فرضي عنّي ورضيت عنه ، وأكرمني وحبّاني فاعملي ولا تغيّري. القمي ١ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦.