الرجل يمشي على الطريق وحده! فقال رسول الله : كن أبا ذر! فلما تأمّلني القوم قالوا : يا رسول الله ، هو أبو ذر ، فلما دنوت منه قام رسول الله وقال : مرحبا بأبي ذر! يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده! ثم قال : ما خلفك يا أبا ذر؟ فأخبرته خبر بعيري فقال : إن كنت لمن أعز اهلي عليّ تخلّفا لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا الى أن بلغتني. ثم وضع متاعي عن ظهري ، ثم استسقى لي فاتي بإناء من ماء (١).
__________________
(١) مغازي الواقدي ٢ : ١٠٠٠. ورواه قبله ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٦٧ بمعناه ، ثم روى بسنده عن عبد الله بن مسعود قال : لما نفى عثمان أبا ذر الى الربذة (ولم يبق) معه إلّا غلامه وامرأته (أو ابنته ـ القمي ـ) أقبلنا في رهط من أهل العراق (الكوفة) معتمرين ، وإذا بجنازة على ظهر طريق (الربذة) كادت تطؤها إبلنا ، وقام إلينا غلامه فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله ، فأعينونا على دفنه! فبكيت عليه وقلت له : صدق رسول الله إذ قال لك : تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك! ثم نزلت وأصحابي فواريناه ، ثم حدّثتهم بحديث النبي معه في مسيره الى تبوك. ورواه الواقدي بلا اسناد. ورواه القمي في تفسيره كذلك وقال : وكانت معه إداوة فيها ماء! فقال له رسول الله : يا أبا ذر! معك ماء وعطشت؟! فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، نعم ، انتهيت الى صخرة عليها ماء السماء فذقته فاذا هو بارد عذب ، فقلت : لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله!
فقال رسول الله : يا أبا ذر رحمك الله ، تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، وتدخل الجنة وحدك ، يسعد بك قوم من اهل العراق يتولّون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك.
فلما سيّر به عثمان الى الربذة كانت له غنيمات يعيش هو وعياله منها ، فأصابها داء يقال له النقّاب فماتت كلّها. ويروي القمي الخبر عن ابنته قالت :
ثم مات ابنه ذر ، فوقف على قبره فقال له : رحمك الله يا ذر ، لقد كنت كريم الخلق