كان من أمر هذا الرجل (محمّد) ما قد رأيت : فقد أسلمت العرب كلها ، فما لكم بحربهم طاقة! فأتمروا لذلك بينكم.
فأتمروا وقالوا : ألا ترون أنّه لا يأمن لكم سرب (ماشية) ولا يخرج منكم أحد إلّا اقتطع! فعرضوا على عبد ياليل أن يرسلوه الى رسول الله. فخشي انّه إذا رجع يصنع به كما صنع بعروة فيقتل كما قتل! فقال : الا أن ترسلوا معي رجالا. فوافقوا. واختاروا : أوس بن عوف من بني سالم ، وعثمان بن أبي العاص من بني يسار وهو اصغرهم ، ونمير بن خرشة من بني الحارث ، وهؤلاء كلهم من بني مالك ، والحكم بن عمرو ، وشرحبيل بن غيلان كلاهما من بني معتب من الأحلاف ، فهؤلاء خمسة خرج بهم عبد ياليل وهو صاحب أمرهم (١).
وكانت نوق أصحاب رسول الله يرعاها رجال منهم نوبا ، وكانت النوبة يوم وصول وفد ثقيف على المغيرة بن شعبة منهم ، يرعاها في وادي حرض من وديان قناة من أودية حوالي المدينة ، بعد أن رجع من تبوك.
فلما وصل وفد ثقيف الى وادي حرض من وديان قناة وجدوا ابلا منتشرة ، فقالوا : لو سألنا عنها وعن خبر محمّد ، فبعثوا أصغرهم عثمان بن أبي العاص من بني يسار ، فلما التقى بالمغيرة تعارفا وجاءهم المغيرة وترك الابل عندهم ليرجع الى المدينة فيبشّر النبي بقدومهم ، وكان في شهر رمضان بعد تبوك.
فلما انتهى الى المسجد لقي أبا بكر فأخبره خبرهم ، فقال له أبو بكر : أقسمت عليك بالله لا تسبقني الى رسول الله حتى أكون أنا احدّثه! فتوقّف المغيرة على باب المسجد حتى دخل أبو بكر على النبي فأخبره خبرهم ثم خرج ، فدخل المغيرة مسرورا على النبي فقال : يا رسول الله ، قد قدم قومي يريدون الدخول في الاسلام على أن يكتبوا كتابا من رسول الله في قومهم وبلادهم وأموالهم.
__________________
(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٨٣.