فقال بعضهم لأبي ذر : قد ترى ما برسول الله ، وقد نعلم منزلتك منه ، فنحن نحبّ أن تعلم لنا أمره ، فسأل أبو ذرّ النبيّ عن ذلك ، فقال : ما نعيت إليّ نفسي ، وما وجدت في أمّتي إلّا خيرا ، وما بي مرض ، ولكن من شدة وجدي لعليّ بن أبي طالب وابطاء الوحي عليّ في أمره. فاستأذنه أبو ذر ليخرج من المدينة في حاجته فأذن له.
فخرج أبو ذر من المدينة يستقبل علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فلما كان ببعض الطريق إذا هو براكب ناقة مقبلا فإذا هو علي عليهالسلام ، فاستقبله والتزمه وقبّله وقال : بأبي أنت وامّي ، اقصد في مسيرك حتى اكون أنا الذي أبشّر رسول الله ، فان رسول الله من أمرك في غم شديد. فأنعم له علي عليهالسلام. فانطلق أبو ذر مسرعا حتى أتى النبيّ فقال له : البشرى. قال : وما بشراك يا أبا ذر؟ قال : قدم علي بن أبي طالب. فقال له : لك بذلك الجنة ، ثم ركب النبيّ صلىاللهعليهوآله وركب معه الناس.
فلما رآه علي عليهالسلام أناخ ناقته ، ونزل رسول الله ، فتلقّاه والتزمه وعانقه ووضع خدّه على منكب علي ، وبكى النبي صلىاللهعليهوآله فرحا بقدومه وبكى معه علي عليهالسلام ثمّ قال له رسول الله : ما صنعت بأبي أنت وأمي ، فان الوحي ابطئ عليّ في أمرك؟ فأخبره بما صنع ، فقال رسول الله : كان الله عزوجل أعلم بك منّي حين أمرني بارسالك (١).
وروى الحلبيّ عن ابن الصوفيّ عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : قال الله تعالى : (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ* قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ* وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ* وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ)(٢) وقال تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً
__________________
(١) الاقبال ٢ : ٣٨ ـ ٤١.
(٢) الشعراء : ١٠ ـ ١٤.