الملوك! فخرجا حتى قدما المدينة ودخلا على رسول الله ، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فظهر الكره على رسول الله ، وتكلم بابويه فقال : إنّ الشاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك. وقد بعثني إليك لتنطلق معي ، فإن فعلت كتب (باذان) إلى ملك الملوك يكفّه عنك وينفعك! وإن أبيت ، فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرّب بلادك! وأقبل رسول الله عليهما فقال : ويلكما! من أمركما بهذا؟ (يعني حلق لحاهما). فقالا : ربّنا ـ يعنيان كسرى (١) ـ أمرنا بهذا. فقال رسول الله : لكنّ ربّي قد أمرني باعفاء لحيتي وقصّ شاربي. ثم قال لهما : ارجعا حتى تأتياني غدا.
وأتى رسول الله الخبر من السماء : أنّ الله قد سلّط على كسرى ابنه شيرويه فقتله بعد ما مضى كذا من ليلة كذا في شهر كذا. فدعاهما فأخبرهما. فقالا : إنّا كنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا ، فهل تدري ما تقول؟! أفنكتب عنك هذا ونخبر به الملك؟! فقال : نعم ، أخبراه بذلك عنّي وقولا له : إنّ ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى ، وينتهي إلى منتهى الخفّ والحافر! وقولا له : انّك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك ، وملّكتك على قومك من الأبناء (٢). ثم أخذ منطقة فيها قطع من ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك (٣) فأعطاها إلى خور خسرو ، وخرجا من عنده ..
__________________
(١) أو باذان ، أو بادان ، حسب الأصل الفارسي ، أو بادام ، كما في المسعودي. وذلك لأنّ كسرى نفسه كان ملتحيا كما في صوره على مسكوكاته النقدية. وانظر المصادر في هامش الصفحة ١٠٠ من العدد ٤ من السنة الاولى لمجلة : وقف ميراث جاويدان بالفارسية.
(٢) الأبناء : أبناء الجيش الساساني المرسل مع سيف بن ذي يزن لانقاذ اليمن من الأحباش ، المولّدون في اليمن والمستعربون فيه.
(٣) لعلّها من هدايا المقوقس المصري أو النجاشي الحبشي.