وإذا عرفته مجملاً فما قاله الشيخ ـ رحمهالله ـ في أوّل الأمر يقتضي ما ذكرناه في النقل عن البعض ، من مقاربة المساحة والوزن ، إلّا أنّ قوله : فكأنّه جعل لنا طريقان ، إلىٰ آخره ، قد يقال : إنّه لا يوافق ذلك ، من حيث إنّ المساحة إذا قاربت الوزن فكل منهما كاف ، والحال أنّه قرر ما يقتضي أنّ العدول إلىٰ الأشبار ، إذا لم يكن لنا طريق إلىٰ المساحة .
ولا يبعد أن يكون غرض الشيخ ـ رحمهالله ـ بيان أنّ الكميّة وإن تقاربت ، إلّا أنّ الوزن أضبط ، فلا يعدل عنه إلّا مع تعذّره ، علىٰ أن يكون التوجيه منه ، لا من الخبرين الدال أحدهما علىٰ الوزن والآخر علىٰ المساحة ، إذ لا يخرجان عن إفادة التخيير .
لكن لا يخفىٰ أنّ الشيخ مطالب بالدليل .
ثم قوله : وكأنّ الشيخ اختار ، إلىٰ آخره ؛ لا يخلو من القصور في التعبير ، لأنّ الشيخ صرّح في المقنعة بالعراقي (١) ، وإنّما مراد الشيخ هنا الإشارة إلىٰ وجه اختياره العراقي علىٰ المدني ، مع كون الخبر بالوصف الذي ذكره ، والوجه هو المقاربة .
ولقائل أن يقول : إنّ المقاربة بالأشبار إن كان المراد بها الثلاثة والنصف ، فالروايات المذكورة غير مختصّة بذلك ، وإن كان مطلق الأشبار فالمقاربة غير حاصلة ، فتخصيص المقاربة ببعض الروايات غير ظاهر الوجه .
ولعلّ المراد أنّ اعتبار المدني يبعد عن جميع الأخبار ، بخلاف العراقي فإنّه يقرب إليها ، ويبقىٰ ترجيح أحد الروايات يحتاج إلىٰ مرجّحٍ ،
__________________
(١) المقنعة : ٤٢ .