لأنه من المحالات العادية إبقاؤه إلى تلك الحال ، لما فيه من المضار الكثيرة من تناثره من هبوب الرياح وعبث الطيور ، وتنقله إلى حالات ردية ، وصعوبة جمعه أو كبسه ، وتغيره بالغبار ، إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة على المالك والفقير ، سلمنا أنه ليس من المحالات العادية وعدم حصول تلك المضار الشديدة لكنه إذا بلغ إلى ذلك الحد بادروا إلى الصرم والجذاذ ، فلا فائدة في الخرص عليهم ، لأنه إنما شرع للتوسعة والرخصة في التصرفات إلى وقت الجذاذ ، وإن كان أراد وقت صيرورة بعض التمار تمرا جافا ففيه أنه لا فائدة في هذا الخرص ، لأن الرطب إنما يصير تمرا على التدريج ، مضافا إلى تفاوت الأثمار والأشجار ، بل العنقود الواحد قد تتفاوت أجزاؤه ، فكلما صار البعض تمرا تجب فيه الزكاة بعد بلوغ المجموع النصاب ، فخرص البعض يكون لغوا لعدم انحصار الزكاة فيه ، ولعدم العلم بقدر المجموع ، ولا تجدي معرفة البعض في معرفة المجموع ، لما عرفت من أن ذلك على التدريج ، والاكتفاء بخرص ما صار تمرا دون غيره فتسقط الزكاة عنه فاسد قطعا ، ثم إنه يلزم أن يكون لكل بستان خارص ، إذ من المعلوم أنه على ما ذكره لا يكفي الخارص الواحد للقرى المتعددة ، إذ هي كما ترى ، إذ لعل فائدة الخرص الحفظ من الخيانة ونحوها ، بل هو المقصد الأصلي فيه ، وكذا ما قيل من أن الزكاة لو كانت مقصورة على التمر والزبيب لشاع الحكم فيها وذاع عند الفقهاء وغيرهم كما في زكاة الفطرة ، ولم يكن الأمر بالعكس ، بل ربما يلزم من ذلك ضياع الزكاة ، لأنهم كانوا يحتالون بجعل العنب والرطب دبسا وخلا ، أو كانوا يبيعونهما كذلك ، بل كان قد تعرضت النصوص له وللاحتيال به فرارا ، أو تعرضت له في معرض الامتنان ، إذ فيه أن الأول معارض بمثله وبجريان السيرة والطريقة على عدم توقف المالك في التصرف لمكان شركة الفقراء له في العين ، والثاني مدفوع بأن الغالب في الثمرة خصوصا ثمرة النخل إرادة التمر الذي يبقى تمام السنة ، ومن هذه الجهة ما وقعت الحيلة بذلك