مشغولا بطلب العلم على وجه لا يمكنه الاجتماع مع الكسب ، قال في المحكي عن نهاية الأحكام والمنتهى والتحرير وغيرها : « لو كان التكسب يمنعه عن التفقه في الدين جاز أخذها ، لأنه مأمور به إذا كان من أهله » نعم في الأول « لو كان لا يتأتى له تحصيل العلم لبلادته لم تحل له الزكاة مع القدرة على التكسب ، وكذا لو اشتغل بنوافل العبادة وكان التكسب يمنعه عن استغراق الوقت بها لم تحل له الصدقة ، لأن قطع الطمع عما في أيدي الناس أولى » ونحوه عن الإيضاح والمهذب البارع ، بل عن الأخير « وكذا لو اشتغل بالرياضات لا تحل له ، وأما ما زاد على الواجب على التفقه فان كان طالبا لدرجة الاجتهاد أو قد بلغها وتحتاج الناس إلى التعلم منه جاز له ترك التكسب ، وإن كان يعلم أنه لا يبلغ درجة الاجتهاد وكان في ازدياد ويعلم حاجة الناس إلى القدر الذي عنده جاز له الاشتغال بالتعلم والتعليم عن التكسب ، وإلا فلا ».
قلت : لا يخفى عليك عدم اعتبار شيء من ذلك على ما ذكرناه ، لما عرفت من صدق اسم الفقير عليه بمجرد عدم ملكه لما يمون نفسه وعياله سنة ، وعدم تلبسه بما يقوم بذلك ، ولا تكفي القدرة عليه إذا لم يكن متلبسا به عازما عليه ، ومن هنا كان البحث عن كثير من الفروع السابقة غير متجه ، وإلا كان للنظر فيها مجال ، خصوصا مع ملاحظة الوجوب الكفائي في العلم وعدمه ، وأمكن المناقشة في جواز التناول مع عدم الوجوب ، وفي غير ذلك مما لا يخفى ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.
وعلى كل حال فقد اتضح لك عدم الجواز إذا لم يقصر الحرفة أو الصنعة عن مئونته وأنه لو قصرت عن كفايته جاز له أن يتناولها بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، بل النصوص التي تقدم شطر منها ظاهرة أو صريحة فيه ، إنما الخلاف والاشكال في تقدير الأخذ للقاصر وعدمه ، فـ ( قيل )كما حكاه غير واحد يعطى ما يتمم كفايته واستحسنه الشهيد في البيان والأكثر ، بل المشهور أنه ليس