مساكين أهل
الحلب حتى قبورهم |
|
علاها تراب الذل
بين المقابر |
وثالثا أنهم كانوا يعملون عليها بالإجارة فأضيفت إليهم ، ورابعا أنه لا دلالة فيه على الدعوى ، إذ الإطلاق أعم من ذلك ، وأما آية الصدقة فكما أن العرب يبتدئون بالأهم فربما يترقون إلى الأعلى ، وأما التعوذ من الفقر مع مسألة المسكنة فيحتمل أن يكون المراد بالفقر فيه العدم بلا قناعة ، أو مجرد عدم القناعة ، فإنه أشد من العدم ، كما أنه يحتمل إرادة الذل بين يدي الله من المسكين في دعائه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وبالجملة لا يخفى ما في ذلك كله من القصور عن ثبوت المطلوب ، وكذا الاستدلال على المختار بقوله تعالى (١) ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) وهو المطروح على التراب لشدة الحاجة ، وبأنه يؤكد به الفقير ، فيقال : فقير مسكين ، ضرورة عدم دلالة الأول على محل الاجتماع ، وإمكان منع الثاني ، وبالجملة إذا أحطت خبرا بجميع ما ذكرنا تعرف ما في كلام جملة من المتأخرين ، بل وكلام بعض اللغويين ، وخصوصا المخلط صاحب القاموس ، فإنه قال : الفقر ويضم ضد الغنى ، وقدره أن يكون له ما يكفي عياله ، أو الفقير من يجد القوت والمسكين من لا شيء له ، أو الفقير المحتاج ، والمسكين من أذله الفقر أو غيره من الأحوال ، أو الفقير من له بلغة ، والمسكين من لا شيء له ، أو هو أخس حالا من الفقير ، أو هما سواء ، وظاهر الصحاح في مادة « فقر » عدم الترجيح لأنه قال رجل فقير من المال ، قال ابن السكيت : « الفقير الذي له بلغة من العيش ، والمسكين الذي لا شيء له » وقال الأصمعي : « المسكين أخس حالا من الفقير » وقال يونس : « الفقير أخس حالا من المسكين ـ قال ـ : وقلت لأعرابي : أفقير أنت؟ فقال : لا والله بل مسكين » لكن قال في مادة « سكن » : المسكين الفقير ، وقد يكون بمعنى الذلة والضعف ، يقال : تسكن الرجل وتمسكن كما قالوا : تمدرع وتمندل من
__________________
(١) سورة البلد ـ الآية ١٦.