فتحصّل : أنّه لا محذور في أمر المولى بالعمل بالأمارة الدالة على الوجوب أو الحرمة تحفظاً على فعل الواجب وترك الحرام ، وإن كان مؤدى الأمارة مباحاً أحياناً.
وأمّا الصورة الثانية : وهي ما إذا دلّت الأمارة على إباحة ما هو حرام واقعاً ، أو واجب كذلك ، فمع انسداد باب العلم لا إشكال في جعل المولى حجّية الأمارة أصلاً ، إذ على تقدير عدم كون الأمارة حجّةً من قبل المولى كان المكلف مرخصاً في الفعل والترك ، لاستقلال عقله بقبح العقاب بلا بيان ، وكان له أيضاً أن يحتاط بترك ما هو محتمل الحرمة ، والاتيان بما هو محتمل الوجوب ، فكذا الأمر بعد حجّية الأمارة ، فان مفادها الترخيص على الفرض ، فله أن يفعل وأن يترك بمقتضى حجّية الأمارة ، وله أن يحتاط إذ حسن الاحتياط ممّا لا مجال لانكاره ولو مع قيام الأمارة على الترخيص ، فانّ موضوع الاحتياط هو احتمال التكليف ، وهو موجود بالوجدان.
وبالجملة : بعد فرض عدم تمكن المكلف من الوصول إلى الواقع يدور الأمر بين أن يتركه المولى وعقله المستقل في الترخيص ، أو يجعل له طريقاً يوصله إلى الواقع غالباً. لا ينبغي الشك في أنّ الثاني هو المتعين ، ومخالفة الأمارة للواقع أحياناً ممّا لا محذور فيه بعد عدم تنجّز الواقع على المكلف وكونه مرخصاً في الفعل والترك بمقتضى حكم العقل ، فلا يستند فوات المصلحة أو الوقوع في المفسدة إلى التعبد بالأمارة.
وأمّا الصورة الثالثة : وهي ما إذا دلّت الأمارة على وجوب ما كان حراماً في الواقع ، أو على حرمة ما كان واجباً في الواقع ، فالتعبد بالأمارة فيها وإن كان مستلزماً لتفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة في بعض الموارد ، إلاّ أنّه لا قبح فيه لو يرى المولى العالم كونها غالبة المطابقة للواقع.
وبعبارة اخرى : الأمر دائر بين عدم جعل الأمارة حجّةً فيختار المكلف ما