القطع بما إذا كان متعلقاً بالأحكام الواقعية ، فهو وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنّه لا يوجب جعل التقسيم ثنائياً ، لأنّ جميع الأبحاث المذكورة في الأبواب الثلاثة غير مختص بالحكم الواقعي ، بل الحكم الظاهري أيضاً قد يتعلق به القطع كما إذا علمنا بحجية خبر قائم على حكم من الأحكام ، وقد يتعلق به الظن المعتبر كما إذا دلّ على حجّية الخبر ظاهر الكتاب مثلاً ، وقد يتعلق به الشك كما إذا شككنا في بقاء حجّية الخبر ، فيجري الاستصحاب. نعم ، لا بدّ من أن ينتهي الأمر بالأخرة إلى القطع ، وإلاّ لدار أو تسلسل.
وأمّا ما أفاده صاحب الكفاية قدسسره ـ من أنّه لا بدّ من أن يكون المراد من الحكم هو خصوص الفعلي دون الانشائي ، لعدم ترتب أثر على القطع بالحكم الانشائي ـ فهو خلط بين الانشاء لا بداعي البعث والزجر ، والانشاء بداعي البعث والزجر ، فانّ الانشاء لا بداعي البعث والزجر وإن لم يترتب عليه أثر ـ كما ذكره صاحب الكفاية قدسسره ـ إلاّ أنّه ليس من مراتب الحكم أصلاً ، فانّ الانشاء بداعي التهديد كما في قوله تعالى : «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ» (١) أو بداعي التهكّم أو غير ذلك لا يطلق عليه الحكم ، إذ الانشاء بداعي التهديد ليس إلاّالتهديد ، فالانشاء بهذا المعنى خارج عن موضوع البحث ، لعدم صدق الحكم عليه.
وأمّا الانشاء بداعي البعث والزجر فيطلق عليه الحكم وإن لم يبلغ مرتبة الفعلية لعدم تحقق موضوعه في الخارج ، فانّ فعلية الحكم إنّما هي بفعلية موضوعه ، ولا نلتزم بعدم ترتب أثر على الحكم الانشائي بهذا المعنى ، بل له أثر مهم وهو جواز الافتاء به ، فانّ المجتهد إذا علم بصدور الحكم من المولى وإنشائه في مقام التشريع له الافتاء به وإن لم يبلغ مرتبة الفعلية ، فيفتي بوجوب الحج
__________________
(١) فصّلت ٤١ : ٤٠