واخرى أنّ الحكم الواقعي إنشائي والحكم الظاهري فعلي ، وثالثةً أنّ الحكم الواقعي فعلي من بعض الجهات ، والحكم الظاهري فعلي من جميع الجهات ، والمضادة بين الحكمين إنّما هي فيما إذا كان الحكمان كلاهما فعليين من جميع الجهات. هذا ملخص كلامه ، ولا يخلو من إجمال.
ولا بدّ لنا من التعرّض لكل واحد من محتملاته والجواب عنه ، فنقول :
أمّا ما ذكره من أنّ الحكم الواقعي شأني ، فإن كان مراده من الشأنية مجرد ثبوت المقتضي للحكم الواقعي من دون أن يكون مؤثراً في إنشاء الحكم الواقعي مع فرض قيام الأمارة على خلافه ، ففيه : أنّه لا يكون حينئذ للجاهل حكم واقعي غير مؤدى الأمارة ، وهذا هو التصويب المنسوب إلى الأشاعرة ، وقد دلّ الاجماع والروايات (١) على بطلانه. مضافاً إلى كونه غير معقول في نفسه لاستلزامه الدور ، لأنّ قيام الأمارة على حكمٍ فرع ثبوته واقعاً ، فلو توقف ثبوته واقعاً على قيام الأمارة عليه لزم الدور.
وإن كان مراده أنّ الحكم الواقعي وإن كان ثابتاً للشيء بعنوانه الأوّلي وبطبعه ، إلاّ أنّه لا يمنع من طروء عنوان عرضي يوجب تبدّله ـ وهو قيام الأمارة على خلافه ـ إذ لا منافاة بين حكمين أحدهما مجعول للشيء بطبعه ، والآخر مجعول له بعنوان عرضي طارئ عليه ، كما يقال إنّ لحم الغنم حلال بطبعه وإن كان قد يعرضه ما يوجب حرمته كعنوان الضرر ، ولحم الأسد حرام بطبعه وإن كان قد يطرأ عليه ما يوجب حلّيته كعنوان الاضطرار ، فكما لا منافاة بين الحلية الطبعية والحرمة العرضية أو العكس في هذه الموارد ، كذلك لا منافاة بين الحكم الواقعي المجعول للشيء بطبعه ، والحكم الظاهري المجعول له بعنوان عرضي ،
__________________
(١) تقدّم ما يرتبط بالمقام في ص ١١٠